وبذلك يندفع ما أورده المصنّف عليه كما مرّت الإشارة إليه ، ويتطابق مفاد الدليلين ، بل دليله الثاني يفيد ظنّا أقوى من الأوّل ، حيث إنّ المستفاد من الأوّل مجرّد الظنّ ومن الثاني قوّة الظنّ ، نظرا إلى أنّ اتّفاق الجمع الكثير من الموصوفين أقوى في إفادة الظنّ من دونهم ، فلو عدّ مثل ذلك تدافعا كان تقرير الإيراد بالعكس أولى.
قلت : ليس مقصود المورد اختلاف مؤدّى الدليلين في كون أحدهما مفيدا للعلم والآخر للظنّ ، إذ ليس في ذلك مجال لتوهّم التدافع ، بل مراده أنّ قضيّة دليله الأوّل كونه مدّعيا لحصول العلم في المقام وكون الشهرة دليلا قطعيّا ، حيث إنّ ظاهره القطع بكون عدالتهم مانعة عن الإفتاء من غير علم فيكون مفيدا للقطع بقول المعصوم كاشفا عن رأيه ، ولذا اختار ـ بناء على ما ذكره من حصول القطع ـ حجّيته ، وكونه إذن إجماعا على خلاف ما اختاره الشهيد رحمهالله فإنّ الإجماع عندنا هو الاتّفاق الكاشف عن قول المعصوم ، سواء كان من الجميع أو البعض ، وقضيّة دليله الثاني كون الشهرة دليلا ظنّيا مفيدا للظنّ القويّ ، فمقصوده أنّ مقتضى الدليلين متدافع في إفادة ما هو المدّعى.
والقول بأنّ حكم الجماعة مع قطع النظر عن الشهرة إذا كان مفيدا للقطع ـ نظرا إلى كون عدالتهم مانعة عن الإفتاء بغير علم ، فكيف يجعل اشتهاره بينهم وندور المخالف قاضيا بإفادة الظنّ؟ مع أنّه ينبغي أن يفيد العلم بالأولى ـ مدفوع ، بأنّ هناك جهتين أحدهما يفيد العلم بالإصابة ، والآخر يفيد الظنّ بها ، فإنّ ملاحظة خبرتهم وعدالتهم قاضية بالعلم العادي على حسب دعواه بعدم إقدامهم على الإفتاء عن غير علم. وملاحظة مجرّد الاشتهار مع قطع النظر عن تلك الملاحظة لا يفيد إلّا قوّة الظنّ ، فيكون ضمّ الثاني إلى الأوّل من قبيل ضمّ المؤيّد إلى الدليل.
لكنّك خبير بضعف الدعوى الاولى ، فإنّ أقصى ما يفيده عدالتهم القطع بإصابة ما يعتقدونه دليلا حسب ما أشار إليه المصنّف ، وأين ذلك من القطع بالواقع؟
غاية الأمر حصول ذلك في بعض الأحيان ، ويندرج حينئذ عندنا في الإجماع كما عرفت ، ويبعد إدراجه إذن في المشهور.