في نفسه فلا يتعلّق به أمره تعالى ، فإنّه لا يأمر بالفحشاء ، ففيه دلالة على بطلان القول بجواز أمره سبحانه بأيّ من الأفعال من غير فرق بينها حسب ما زعموه.
وربّما يقال : بدلالتها على المقصود لو حمل الفحشاء على المعنى المذكور أيضا لإفادتها عدم تعلّق الأمر والنهي بشيء واحد ، وهو مبنيّ على القاعدة المذكورة أيضا. ولا يخفى وهنه، إذ غاية ما يفيده حينئذ عدم وقوع ذلك منه ، وأين ذلك من عدم جواز وقوعه منه تعالى؟
ومنه قوله تعالى : (قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ ...)(١) والتقريب ما مرّ ، كيف؟ وسياقها صريح في أنّ الله سبحانه لم يحرّم إلّا الامور المستنكرة عند العقول ممّا يحكم صريح العقل بقبحه وذمّ فاعله. وقد عدّ في الآية الشريفة جملة منها.
ومنه قوله تعالى بعد النهي عن الغيبة : (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ)(٢) فإنّه صريح في قبح الفعل المذكور في نفسه ، فإنّه كأكل لحم أخيه الميّت ، القبيح في حكم العقل أيضا ، فنهي الشارع عنه مقرون بالقبح المذكور ، لا أنّ مجرّد نهيه عنه قضى بقبحه من غير حصول قبح فيه. وليس المراد بالاستكراه في الآية الشريفة مجرّد استكراه الطبع دون القبح واستحقاق الذمّ ، فإنّه لا يناسب التعليل في المقام.
ومنه الآيات الواردة في الاحتجاج على الكفّار والعصاة بإبداء فرق العقل بين المحسن والمسيء والمطيع والعاصي ونحوهما كقوله تعالى : (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ)(٣).
ومنه الآيات الدالّة على الحثّ على الأخذ بما يحكم به صريح العقل كقوله تعالى : (أَفَلا تَعْقِلُونَ* أَفَلا تَذَكَّرُونَ* لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) ونحوها ، إلى غير ذلك من الآيات الدالّة على نحو ما ذكره صريحا أو فحوى.
__________________
(١) سورة الأعراف : ٣٣.
(٢) سورة الحجرات : ١٢.
(٣) سورة ص : ٢٨.