ومنها : الحديث المشهور «رفع عن امّتي» وسيأتي الكلام في بيان دلالتها مع سائر الأخبار الدالّة على ... (١) التكليف عن ... (٢) ويشير إليه أيضا ما دلّ على حجّية الاستصحاب ، إذ البراءة القديمة ثابتة من غير شكّ فيستصحب ، وقضيّة ذلك البناء على البراءة حتّى يثبت الشغل ، فيكون ذلك من الأدلّة على الأصل المذكور كما أشرنا إليه.
وأمّا الإجماع : فقد عرفت الإجماعات المحكيّة عليه سيّما من الأخباريّة وهو أيضا ... (٣) من ملاحظة الكتب الاستدلاليّة وجريان الطريقة عليه خلفا بعد سلف من أعصار الأئمّةعليهمالسلام ، بل الظاهر ثبوته في الصدر الأوّل أيضا ، فإنّ أهل البلاد النائية ما كانوا ... (٤) على لزوم مراعاة الاحتياط في جميع أفعالهم بالمواظبة على جميع ما يحتملون وجوبه إلى أن يأتي نصّ على عدمه ، بل من البيّن أنّهم ما كانوا يحكمون على شيء بحكم إلّا بعد قيام البيّنة عليه ونهوض الحجّة به ، كما لا يخفى على من تأمّل في طريقتهم ، وفي الأخبار المتقدّمة إشارة إليه.
وأمّا العقل : فإنّه إنّما بعث الأنبياء ونصب الأوصياء لتبليغ الأحكام وإرشاد الأنام إلى مسائل الحلال والحرام ، فإذا لم يرد التبليغ بوجوب شيء والتكليف به دلّ ذلك على انتفاء وجوبه ، إذ لو وجب لكان قضيّة الحكمة الباعثة على بعث الرسل تبليغ الحكم فيه. هذا إذا انتفى البيان من أصله. وأمّا إذا انتفى الوصول إليه فقد يتخيّل أنّ الأمر بعكس ذلك ، إذ قضيّة رفع الضرر وجوب الاحتياط فيما يحتمل فيه الوجوب إذا انتفى فيه احتمال المنع كما هو مورد البحث.
ويدفعه : أنّ البناء عليه قاض بلزوم العسر والحرج الشديد الّذي لا يوافق طريقة اللطف سيّما بعد العلم بكون الشريعة سمحة سهلة ، بل قد يؤول الأمر إلى التكليف بغير المقدور ، لتكثّر الاحتمالات ، وترجيح بعضها على بعض ترجيح من غير مرجّح ، فبملاحظة ذلك يقطع العقل بانتفاء التكليف.
ويرد عليه : أنّه لو تمّ ذلك فإنّما يتمّ فيما إذا كانت الاحتمالات كثيرة غير
__________________
(١ ـ ٤) بياض في الأصل.