محصورة ، وأمّا إذا انحصرت في امور عديدة لا حرج في الإتيان بها فلا. وهذا أمر حاصل في الأغلب ، لقيام الإجماع وغيره من الأدلّة على انتفاء احتمال الوجوب في معظم الأفعال ، وما يحتمل وجوبه ممّا لم يدلّ دليل على انتفاء الوجوب فيه امور عديدة يمكن مراعاة الاحتياط فيها ، فمع الغضّ عن الأدلّة المتقدّمة فينبغي القول بوجوب الاحتياط نظرا إلى حكم العقل.
نعم إذا لوحظ دلالة الشرع على سقوط التكليف حينئذ فلا كلام. وما ذكر من الوجوه في إثبات الإباحة غير جارية في المقام لما عرفت من الفرق.
نعم إن فرض عدم انحصار الأمر في المقام ـ كما قد يتّفق بالنسبة إلى من بعد عن بلدان الإسلام بحيث لا يقدر على تعرّف الأحكام ، وكان بناؤه على مراعاة الاحتياط متعذّرا أو متعسّرا جدّا ، بحيث يقطع العقل بعدم ابتناء الشريعة عليه ـ كان ما ذكر من حكم العقل متّجها. وأمّا في غيره فالقول بإطلاق استقلال العقل بنفي التكليف بعيد جدّا.
وقد ظهر بما قرّرنا ضعف ما ذكره بعض الأفاضل في تقرير الدليل المذكور : من أنّ الأصل الّذي لا زالت عليه الذمّة قبل ثبوت التكاليف هو البراءة ـ إذ لو لم يكن على ذلك لكانت على الشغل ، وهو الحرج العظيم الّذي دلّت على نفيه الآية والرواية. ومتى ثبت الأصل المذكور لم يحتج في التعلّق به إلى حجّة ، لاستمراره كما في أصل الإباحة والطهارة والعدم ، فإنّا لا نحتاج في إجراء هذه الاصول إلى أكثر من إثباتها ـ لاندفاعه بأنّ الأصل المفروض إن ثبت مطلقا تمّ ما ذكروا ، وإلّا فلا يوجب الخروج عن مقتضاه بمجرّد الاحتمال ما لم يقم دليل شرعي على خلافه.
وأمّا إذا كان ثبوته لجهة خاصة كما في المقام إذ لم يكن ثبوته إلّا لمجرّد الحرج والضيق ، لدورانه بين غير المحصور أو ما هو بمنزلته ، كما هو المفروض ، فإنّما يدور ثبوت الأصل المذكور مدار حصوله ، فلا يمكن الحكم بثبوت الأصل المذكور مع زوال الحرج ، بل لابدّ إذن من ملاحظة العقل في تلك الحال.