إثبات مثل ذلك بمجرّد الاحتمال ، وهو خلاف ما قضت به الأدلّة ، ودلّت عليه النصوص القاطعة ، بل وما هو المعلوم ضرورة من الشريعة المطهّرة.
ثمّ إنّ هاهنا مسلكا آخر في الاحتجاج مبنيّا على ادّعاء نفي الإجمال في تلك الماهيّات وورود التكليف بها على حسب البيان ، وهذه الطريقة وإن كانت خارجة عن محلّ الكلام ، إذ المقصود هنا إجراء الأصل مع الإجمال ليكون الأصل المذكور من جملة ما يوجب بيان ذلك الإجمال بحسب الظاهر ، إلّا أنّه مشارك لما ذكرنا في الثمرة ، ولذا ذكرناه في طيّ أدلّة المسألة.
وقد احتجّوا لذلك بوجوه :
الأوّل : أنّ التكليف بالمجمل وإن اقتضى بحسب اللغة التكليف بما عليه ذلك المجمل في نفس الأمر فيجب الإتيان بجميع أجزائه الواقعيّة ، إذ المفروض تعلّق الأمر بتمام تلك الماهيّة ، إلّا أنّ أهل العرف لا يفهمون من ذلك إلّا التكليف بما وصل إلى المكلّف وظهر لديه وقامت الأدلّة عليه ، لا بكلّ ما يتوهّم دخوله فيه واندراجه فيما تعلّق الأمر به. ألا ترى أنّه لو قال «أكرم كلّ عالم في البلد ، وتصدّق على كلّ مسكين فيه ، وأهن كلّ فاسق منهم» لم يفهم من ذلك عرفا إلّا تعلّق الأحكام المذكورة بمن علم اتّصافه بإحدى تلك الصفات المذكورة بعد بذل الوسع في الاستعلام وتبيّن الحال ، فلا يجب إيقاعها بالنسبة إلى كلّ من يحتمل اندراجه في أحد المذكورات لما يتوهم من لزوم الأخذ بيقين البراءة بعد اليقين بالشغل فلا تكليف بها إلّا على النحو المذكور ، والمفروض الإتيان بها كذلك وهو قاض بحصول الأجزاء والامتثال ، ولا يلزم من ذلك دخول العلم في مدلول الألفاظ ، بل لا يوافقه أيضا في الثمرة ، لوضوح وجوب الاستعلام في المقام بخلاف ما لو تعلّق الحكم بالمعلوم ، وإنّما ذلك رجوع إلى العرف في تقييد ذلك الإطلاق حسب ما ذكر.
الثاني : أنّ قضيّة القاعدة في تلك الألفاظ المجملة هو الحمل على المعاني الشرعيّة ، إذ لو قلنا بثبوت الحقيقة الشرعيّة فلا كلام ، وعلى القول بعدمه