فالمفروض قيام الدليل على إرادة المعاني الشرعيّة وإلّا فلا إجمال في معانيها اللغويّة ، والمعاني الشرعيّة ليست إلّا ما صار اللفظ حقيقة فيها عند المتشرّعة كما هو معلوم من ملاحظة موضع النزاع في الحقيقة الشرعيّة ، وحينئذ فالمرجع في تعيين المعاني الشرعيّة إلى عرف المتشرّعة، ولا إجمال في فهم العرف من تلك الألفاظ ، لوضوح اشتهار المعاني الشرعيّة وبلوغها إلى حدّ الحقيقة.
ومن الواضح : ظهور المعاني الحقيقيّة ونفيها عند أرباب الاصطلاح ، فما ينصرف إلى أذهانهم من الأجزاء والشرائط هو المعنى الشرعي الموضوع بإزائه على الأوّل ، أو المراد منه بعد قيام القرينة الصارفة على الثاني ، فإذا شكّ في جزئيّة شيء أو شرطيّته يرجع فيه إلى عرف المتشرّعة ، كما هو القاعدة في معرفة سائر الأوضاع الخاصّة والعامّة.
الثالث : أنّ البيان حاصل بما تلقّيناه من حملة الشريعة ورواة الأحكام الشرعيّة بعد بذل وسعهم ووسعنا فيه ، فإنّ العادة قاضية في ذلك بعد البحث والتفتيش على الأدلّة بالعثور على الحقيقة ، كيف ولو كان هناك شيء آخر غير ما ثبت وظهر من الأجزاء والشرائط لبيّنه النبيّ والأئمّة صلوات الله عليهم ، إذ ليس بعث الأنبياء ونصب الأوصياء إلّا لتعليم الأحكام وإرشاد الأنام ، وليس ذلك حاصلا بمجرّد إلقاء المجملات ، وحكم الناس بالرجوع إلى الاحتياط ، فإنّ ذلك معلوم من ملاحظة حال السلف ، ولو ورد هناك شيء من النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم والأئمّة عليهمالسلام لذكره الحملة ، وأشاروا إليه ، وبيّنوا الأدلّة القائمة عليه ، مع ما هو معلوم من حرصهم على بيان الأحكام وبذل وسعهم في إرشاد الأنام ، فلو كان هناك بيان من الشرع لما بقي في الخفاء ولاتضحّ كمال الوضوح والجلاء ، لما فيه من عموم البلوى ، فلا عبرة إذن بما قد يطرء من الاحتمالات وما قد يتخيّل هناك من الإشكالات. كيف والأمر في تعرّف معاني الألفاظ موكول إلى الظنّ ، كما هو معلوم من الطريقة الجارية في تعريف الحقائق اللغويّة والعرفيّة وحمل الألفاظ على معانيها الظاهرة ، ومن البيّن حصول الظنّ بعد ملاحظة ما قرّرناه سيّما في معظم العبادات ، فإنّها تعمّ بها البليّة ويعمّ الحكم فيها معظم الامّة كما ذكرنا.