الرابع : انّ الألفاظ الدالة على العبادات المفروضة (١) أسامي للأعمّ من الصحيحة والفاسدة كما قرّر في محلّه ، فبعد تحصيل المعيار في التسمية ينفى غيره بالأصل حتّى يقوم دليل على اعتباره ، ولا ريب أنّ الواجبات الإجماعيّة وما قام عليها الأدلّة الشرعيّة من الأجزاء والشروط المرعيّة كافية في حصول التسمية ، فيمكن إجراء الأصل في جميع ما تعلّق الشكّ به.
الخامس : أنّ التكاليف الشرعيّة من بدو الشريعة ما كانت موضوعة إلّا على حسب البيان ، ألا ترى أنّهم لو كلّفوا بالصلاة وبيّن لهم النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم عدّة من أجزائه وشرائطه من غير تصريح منه بالحصر في المذكور ، وقام هناك احتمال أن يكون جزء آخر وشرط آخر ، وحضر وقت الحاجة ما كانوا ليحكموا بوجوب الاحتياط ، بل كان منفيّا بحكم الأصل ، إذ لو كان هناك جزء أو شرط آخر لبيّنه الشرع وإذ لا بيان فلا تكليف ، لوضوح أنّ وضع الشريعة وبعث الرسل والحجج إلى الخليقة ليس إلّا بيان التكاليف الشرعيّة ، وإتمام الحجّة على الرعيّة ، ولم يجعل البناء على الاحتياط من وجوه البيان ليترك النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بيان الواجبات ويحيل الناس إلى الاحتياط كما هو واضح من ملاحظة الطريقة الجارية عند الصحابة. وحيث عرفت أنّ بناء الشرع على كون التكليف مبنيّا على البيان دون البناء على الاحتياط يجري الحكم بالنسبة إلى سائر الأعصار والأمصار ، لاتّحاد المناط في الكلّ ، بل عليه جرت الطريقة في الجميع.
قال بعض القائلين بإجراء الأصل في المقام : ليت شعري كيف كان في مبادئ التكليف ولا سيّما بالنسبة إلى النائين؟ أو ليس إنّما كان يرد عليهم شيئا فشيئا ، امروا بركعتين فكان التكليف بهما ، ثمّ امروا بآخرين فكان بأربع ، وهكذا ، لا يعرفون إلّا ما يرد عليهم ، وإن أجازوا أن يكون قد اوحي إليه صلىاللهعليهوآلهوسلم شيء آخر ، أو ورد أمر ولم تأتهم بها الرسل أتراك توجب عليهم الإتيان بكلّ ما أوحاه أو توهّموه لمّا قيل لهم أوّلا أقيموا الصلاة إنّ هذا لهو التشريع انتهى.
__________________
(١) المعروفة ، خ ل.