على الضرر ، ومن المقرّر وجوب دفع الضرر والخوف. فهذا هو الوجه في تعيين العقل ترجيح جانب الترك. وليس في ذلك تحريم الحلال ، بل حكم بوجوب ترك الحلال لئلّا يؤدّي إلى فعل الحرام ، ولا مانع منه. فمقتضى القاعدة حينئذ حرمة الأمرين في الظاهر نظرا إلى الوجه المذكور.
نعم لو قام دليل خاصّ على جواز الفعل حينئذ فلا مانع وقضى بالخروج عن مقتضى القاعدة المذكورة ، إلّا أنّه لم يقم ذلك في المقام ، وما احتجّ به الخصم على ذلك مدفوع حسب ما يأتي الإشارة إليه إن شاء الله.
وعن الثاني : بأن الأحكام الشرعيّة جارية على موضوعاتها الواقعيّة ، فإنّ الألفاظ موضوعة بإزاء الامور الواقعيّة من دون مدخليّة في مفاهيمها للعلم والجهل ، فإذا حصل موضوع التحريم بحسب الواقع كان من الواجب الاجتناب عنه ، فإذا قيل بجواز الإقدام على كلّ من الأمرين لزم الحكم بجواز الإقدام على الحرام ، وهو ما ذكر من اللازم. والقول بكون الجهل عذرا في جواز الإقدام إنّما يتمّ في الجاهل المحض الغافل عنه ، إذ هو القدر الثابت في اشتراط التكليف.
وأمّا الجاهل المتردّد بين الوجهين مع علمه بحرمة أحدهما ـ على ما هو مفروض المقام ـ فلا دليل على كون جهله المفروض عذرا ، بل مقتضى القاعدة لزوم الاجتناب عنه أخذا بمقتضى التحريم حتّى يتبيّن خلافه.
نعم لو قام دليل خاصّ على جواز الإقدام حينئذ وسقوط التكليف المذكور بهذا النوع من الجهل وجب الخروج عن مقتضى الأصل المذكور ، وحينئذ فلا كلام ، والمقصود من الدليل المذكور قضاء الأصل أوّلا بالمنع من الإقدام إلى أن يثبت الجواز وأنّى لهم باثباته.
وعن الثالث : بأنّه إنّما يتمّ الحكم بالتخيير في المقام إذا لم يكن هناك مناص للمكلّف عن الإتيان بأحدهما ، وأمّا إذا أمكن تركهما معا فلا وجه للتخيير ، لعدم تساوي جانبي الفعل والترك بحسب ترتّب المصلحة والمفسدة حتّى يحكم العقل بتساويهما في الإقدام والإحجام ، وأمّا مع ترتّب المفسدة على أحد الجانبين