والقطع بعدم ترتّب مفسدة على الجانب الآخر فلا وجه لحكم العقل بالتخيير بينهما ، لعدم تساويهما.
والحاصل : أنّ مفسدة الحكم بالتخيير عدم تساوي الأمرين في نظر العقل ، لوضوح التفاوت بينهما ، فيتعيّن عنده جانب الترك ، ومفسدة التعيين ما ذكر من لزوم الترجيح بلا مرجّح والعقل لا يحكم في مثل ذلك بالتخيير إلّا مع قيام دليل خاصّ عليه ، كما أنّه لا يحكم بتعيين أحدهما إلّا لدليل دالّ عليه. ولا يذهب عليك أن الأولى في تقرير الدليل المذكور تربيع الاحتمالات وإبطال ثلاثة منها بالوجوه المذكورة ليتعيّن الرابع.
الثاني : أنّ اجتناب الحرام مطلوب لله تعالى فيجب امتثال طلبه ، ولا يتمّ ذلك إلّا باجتناب الجميع ، وما لا يتمّ الواجب إلّا به فهو واجب ، فاجتناب الجميع واجب.
ويرد عليه امور :
أحدها : أنّه إن اريد أنّ اجتناب ما هو حرام بحسب الواقع واجب سواء علم كونه حراما أو لا فهو ممنوع ، بل هو أوّل الدعوى. وإن اريد أنّ اجتناب ما هو حرام واجب في الجملة فمسلّم ، ولا يرتبط به المقدّمة الثانية لينتج المدّعى.
ثانيها : أنّ ما ذكر : من أنّ اجتناب الحرام لا يتمّ إلّا باجتناب الجميع ، ممنوع ، إذ قد يحصل ذلك باجتناب البعض ، لاحتمال مصادفته لترك الحرام. وفيه : أنّ المقصود صدق امتثال طلبه تعالى لأداء ذلك ، ولا يحكم بتحقّقه عرفا بمجرّد الاحتمال ، فصدق الامتثال عرفا غير الإتيان بما هو مطلوبه تعالى في الواقع مع عدم العلم بحصوله.
ومع الغضّ عن ذلك فيمكن تغيير الاحتجاج في الجملة بأن يراد فيه : أنّه يجب العلم بأداء مطلوبه تعالى ، إذ كما يجب الإتيان بمطلوبه تعالى يجب العلم بأدائه أيضا والعلم بأدائه يتوقّف على ترك الجميع من غير إشكال.
ثالثها : النقض بغير المحصور ، فإنّ اجتناب الحرام هناك واجب أيضا ، ولا يتمّ إلّا باجتناب الجميع ، فما يجاب به هناك يجاب به في المقام.