تخصيص لها نظرا إلى قيام الدليل عليه. والتحقيق في الإيراد عليه وجهان :
أحدهما : أنّ قضيّة العقل بعد انسداد باب العلم هو حجّية أقوى الظنون وقيامه مقام العلم ، إذ هو الأقرب إليه. ولا ريب أنّ الظنّ الحاصل لصاحب الملكة القوّية ـ الباعثة على الاقتدار على استنباط جميع المسائل ، ومعرفة جميع الأدلّة الشرعيّة ، والوصول إلى وجوه دلالتها ، وكيفيّة استنباط الأحكام منها ـ أقرب إلى إصابة الحقّ والوصول إلى الواقع من استنباط من هو دونه في الملكة بحيث لا يقدر إلّا على استنباط بعض المسائل ، ولا يتمكّن إلّا من إدراك بعض الدلائل. فإذا دار الأمر بين اعتبار القدرة على استنباط جميع الأدلّة والبحث عن معارضاتها وكيفيّة دلالتها ـ كما هو شأن المجتهد المطلق ـ أو الاكتفاء باستنباط مدارك المسألة الخاصّة ولو مع العجز عن إدراك غيرها ـ كما هو شأن المتجزّي ـ كان الأوّل هو الأولى.
والحاصل : أنّه كما يجب تحصيل أقوى الظنون من حيث المدرك مع اختلاف المدارك في القوّة والضعف ، كذا يجب مراعاة الأقوى من حيث المدرك. فكما يجب عليه البحث عن الأدلّة لتحصيل المدرك الأقوى ، كذا يجب عليه السعي في تحصيل القوّة القويّة حتّى يكون مدركا بالملكة الأقوى ، لكون الظنّ الحاصل معها أقرب إلى مطابقة الواقع من الحاصل من القوّة الناقصة والملكة الضعيفة.
فإن قلت : لو كان الأمر على ما ذكر لما اكتفى بالظنّ الحاصل من المجتهد المطلق مطلقا ، بل كان الواجب عليه تحصيل القوّة الأتمّ والملكة الأقوى على حسب الإمكان ، لوضوح اختلاف المجتهدين المطلقين في القوّة والملكة ، مع أنّ أحدا لم يقل بوجوب ذلك.
قلت : لو لا قيام الدليل القاطع على الاكتفاء بظنّ المجتهد المطلق مطلقا كان مقتضى الدليل المذكور ذلك ، إلّا أنّه لمّا قام الإجماع على عدم وجوب تحصيل كمال القوّة بعد تحصيل ملكة الاجتهاد المطلق كان ذلك دليلا على عدم وجوب مراعاة الزائد ، فهو نظير ما إذا دلّ الدليل القاطع على الاكتفاء في مقدار البحث