وأمّا إذا دار أمره بين الأمرين وجهل الحال في شأنه فذلك ممّا يحقّق اندراجه في الجاهل، ومجرّد أقربيّة الظنّ إلى العلم لا يثمر في حقّه شيئا ، ألا ترى أنّه لو كان سبيل العلم بالأحكام مفتوحا كان الأمر أيضا دائرا بين العلم بالأحكام وبين أخذها عن العالم ، فلا يصحّ أن يقال : إنّ شأن غير العالم ممّن له الاقتدار على تحصيل الظنّ أن يأخذ بظنّه دون أن يقلّد العالم ، لكون الظنّ أقرب إلى العلم بالنظر إلى التقليد ، بل الواجب في شأنه هو التقليد، حيث إنّه أحد الوجهين المذكورين من العلم أو التعلم.
ومنه يظهر الحال في المقام ، فإنّه إذا كانت تلك المرتبة من الظنّ نظرا إلى الوجه المذكور قائمة مقام العلم يكون الواجب في شأن كلّ من المكلّفين إمّا تحصيل تلك المرتبة ، أو الرجوع إلى من يكون مستنبطا للحكم على الوجه المذكور ، فمع عدم حصول الأوّل للمتجزّئ يتعيّن عليه الأخذ بالثاني. وأيضا لو تعيّن على كلّ من المكلّفين تحصيل العلم بالأحكام عن مداركها كان انسداد باب العلم قاضيا بالتنزّل إلى الظنّ بالنسبة إلى كلّ واحد منهم ، وأمّا إذا قلنا بعدم تعيّن ذلك على كلّ واحد منهم وكان القدر اللازم قيام جماعة بتحصيل العلم بالأحكام بحيث يكتفى بهم في تعليم الباقين ليرجعوا إليهم في أخذ تلك الأحكام لم يقض انسداد باب العلم إلّا بالرجوع إلى الظنّ الأقوى مع انفتاح سبيله ، ولو بالنسبة إلى البعض المذكورين دون ما دونه من المراتب وإن لم يتمكّن الكلّ من الأخذ بذلك الأقوى ، فإن تمكّن من يقوم به الكفاية كاف في ذلك وكان وظيفة الباقين الرجوع إليهم.
فإن قلت : إنّ الواجبات الكفائيّة تتعلّق بكلّ واحد من الأعيان وإن كان تعلّقه على سبيل الكفاية ، وتعلّق الوجوب بكلّ واحد منهم في الجملة كاف فيما نحن بصدده من الانتقال إلى الظنّ بالنسبة إلى من يتمكّن منه بعد انسداد سبيل العلم.
قلت : إنّ جميع المكلّفين في تحصيل العلم بالأحكام بمنزلة شخص واحد ، فإذا تمكّن من تحصيله من يقوم به الكفاية لم ينتقل الأمر إلى الاكتفاء بالظنّ ، وكذا