لو تمكّنوا من الظنّ الأقوى على الوجه المذكور ولم ينتقل الحال في الباقين إلى ما دونه ، لحصول التمكّن من الأقوى بالنسبة إلى الكلّ ، فإنّ الملحوظ بالتكليف الكفائي حال الكلّ دون كلّ واحد من الآحاد.
ثانيهما : أنّه إنّما يتمّ ما ذكر من الدليل لو لم يقم الإجماع على حجّية الظنّ المطلق ، وأمّا بعد قيام الإجماع على حجّية ظنّه فلا وجه للحكم بحجّية الظنّ الحاصل لغيره ، فإنّ قضيّة انسداد باب العلم وبقاء التكليف هو الرجوع إلى الظنّ في الجملة ، والقدر الثابت هو الظنّ الخاص ، لقيام الإجماع عليه ، فالباقي يندرج تحت ما دلّ على المنع من الأخذ بالظنّ.
نعم إن لم يثبت هناك مرجّح بين الظنون من حيث المدرك ـ كما أنّه لا مرجّح بينها من حيث المدرك على ادّعاء القائل بأصالة حجّية الظنّ ـ لزم الحكم بتساوي الكلّ من الجهة المذكورة أيضا ، لانتفاء المرجّح أيضا وليس كذلك ، لما عرفت من كون الإجماع على حجّية ظنّ المطلق مرجّحا في المقام.
وما قد يقال : من منع انعقاد الإجماع على حجّية ظنّ المطلق على وجه ينفع في المقام نظرا إلى وقوع الخلاف في طرق الاستنباط من الأخذ بطريقة الاجتهاد ، أو الأخبار ، أو الطريقة الوسطى ، حيث ذهب إلى كلّ من تلك الطرق الثلاثة جماعة ، وفي هؤلاء من يمنع الرجوع إلى غيره ، فلا إجماع على الأخذ بظنّ خاصّ منها ليكون دليلا قاطعا في المقام ، وكون الرجوع إلى المطلق في الجملة في مقابلة المتجزّئ مقطوعا لا يكفي في المقام بعد دوران الأمر فيه بين الوجوه المذكورة وانحصار الأمر في الرجوع إلى واحد منهم ، فلا مناص إذن من الرجوع إلى الظنّ ويتمّ الاستدلال مدفوع ، بأنّ قيام الإجماع على حجّية ظنّ المطلق ممّا لا مجال للتأمّل فيه. وجعل دوران الأمر بين أحد الطرق الثلاثة مانعا لانعقاد الإجماع موهون جدّا ، إذ الاختلاف الواقع في ذلك كالاختلاف الحاصل بين المجتهدين في تعيين الأدلّة ، حيث لا يسع (١) أحدا من أجل ذلك الرجوع إلى غيره.
__________________
(١) في «ق» يمنع.