قيام الدليل على حصول البراءة به دون غيره فلا يتفرّع عليه حكم المتجزّئ ، إذ كما لم يقم دليل قطعي على رجوعه إلى ظنّه فليس في رجوعه إلى العالم المفروض أخذ باليقين ، لدوران تكليفه في بادئ الرأي بين الأمرين ، فكيف يصحّ القول بكون تكليفه في حكم العقل هو الرجوع إلى الغير.
قلت : لمّا كان الظنّ القائم مقام العلم في حكم العقل هو الظنّ المفروض لزمه الحكم بوجوب تحصيله في حصول البراءة ، وإنّ ذلك لعدم قيام الدليل على الاكتفاء بغيره ، إذ حينئذ يكون الظنّ المعتدّ به في ظاهر الشريعة هو ذلك دون غيره ، فإذا لم يقم دليل على تنزيل غيره من الظنون منزلة العلم لزمه الحكم بعدم قيامه مقامه ، لما دلّ من القاعدة على عدم الاكتفاء بالظنّ ، فإذا كان الظنّ المذكور في ظاهر التكليف منزّلا منزلة عدمه كان قضيّة الأدلّة القطعيّة الدالّة على وجوب رجوع الجاهل إلى العالم وجوب رجوع الظانّ المذكور إلى العالم المفروض ، فالمقصود ممّا قرّرناه هو إدراج الظانّ المذكور بحكم العقل في عنوان الجاهل.
لا يقال : إنّه كما قضى أصالة عدم حجّية الظنّ بعدم حجّية ظنّه وإدراجه في عنوان الجاهل ، كذا يقضي أصالة عدم جواز التقليد بإدراجه في العالم.
لأنّا نقول : إنّه من الظاهر أنّ ما دلّ على المنع من التقليد إنّما هو في شأن العالم ، وأمّا الجاهل فليس وظيفته إلّا التقليد إجماعا ، فإذا شكّ في اندراج المتجزّئ تحت العالم أو الجاهل كان مشكوك الاندراج تحت ما دلّ على المنع من التقليد ، فلا يمكن الاستناد إليه في المقام ، على أنّه لو سلّم شمول ما دلّ على المنع من التقليد لمجهول الحال فإنّما يدل على المنع بالنسبة إليه من حيث إنّه مجهول ، فلا يدلّ على اندراجه تحت العالم فلا يعارض ذلك ما دلّ على اندراجه في الجاهل ، فيجب عليه التقليد ، لخروجه بذلك عن الجهالة المأخوذة فيما يستفاد من الأوّل ، مضافا إلى ما قد يقال : من أنّه مع عدم قيام الدليل على حجّية ظنّه وجواز عمله به يندرج في عنوان الجاهل بالوجدان ، إذ المفروض جهله بالحكم ، فيجب عليه التقليد من غير حاجة إلى الاحتجاج عليه بعموم ما دلّ على المنع من العمل