بالظنّ. ولا يعارضه حينئذ ما دلّ على المنع من التقليد ، إذ بعد اندراجه في عنوان الجاهل لا يشمله تلك الأدلّة قطعا.
وممّا قرّرنا ظهر اندفاع الوجوه المقرّرة في الإيراد ، ثالثها : أنّ انسداد باب العلم والعلم ببقاء التكليف إنّما يقضي بجواز العمل بما ظنّ أنّه مكلّف به في ظاهر الشريعة لا ما ظنّ أنّه كذلك بحسب الواقع ، كما هو ملحوظ المستدلّ.
وتوضيح ذلك : أنّه بعد العلم بوقوع التكاليف إنّما يجب في حكم العقل الإتيان بما يحصل معه العلم بحصول البراءة في حكم المكلّف حسب ما قرّرناه في معرفة أداء ما كلّف به حكما وموضوعا ، سواء حصل معه العلم بمطابقته للواقع أو لا؟ فلا يجب على المكلّف مراعاة ما يزيد عليه بعد العلم بما جعله طريقا إلى الواقع ، إلّا أن يجعل الطريق إليه خصوص العلم به ، فالقدر المعتبر في الحكم بالبراءة والامتثال هو ما يعلم معه بتفريغ الذمّة في حكم الشرع وهو أعمّ مطلقا من العلم بأداء المكلّف به بحسب الواقع ، فيحصل الأوّل مع تعيّن (١) المكلّف لمراعاة الثاني بخلاف العكس ، ولذا لو لم يقرّر المكلّف طريقا إلى الواقع أو قرّرها ولم يصل إلينا وكان سبيل العلم بالواقع مفتوحا تعيّن مراعاة ذلك ، لعدم العلم بحصول البراءة والخروج عن عهدة التكليف إلّا به ، بل جاز مراعاته مع العلم بالطريق المقرّر أيضا ، إذ لم يكن هناك مانع آخر. وحينئذ نقول : إذا انسدّ سبيل العلم بما جعله المكلّف طريقا إلى معرفة ما كلّف به وانسدّ أيضا سبيل العلم بالواقع مع القطع ببقاء التكليف تعيّن تحصيل الظنّ بما هو مكلّف به في ظاهر الشريعة ، ومراعاة ما يظنّ كونه طريقا إلى تفريغ الذمّة في حكم المكلّف ، لقيام الظنّ بذلك حينئذ مقام العلم به في حكم العقل حسب ما مرّت الإشارة إليه.
ولا يصحّ الاكتفاء حينئذ بمجرّد ما يظنّ معه بأداء الواقع ، إذ لا ملازمة بينه وبين الأوّل ، وليس ذلك أخصّ مطلقا من مراعاة ما يظنّ معه بتفريغ الذمّة كما أنّ العلم به أخصّ مطلقا من العلم بذلك ـ حسب ما مرّ ـ بل النسبة بينهما عموم من
__________________
(١) في ق : يقين.