المنع من الأخذ بالظنّ مع اختصاص الظنّ بظواهر اخرى ، فليس على المنع من التقليد دليل خاصّ يلزم الخروج عن مقتضاه لو قلنا بوجوب الرجوع إليه ، بخلاف ما لو قلنا برجوعه إلى الظنّ ليتمّ ما ذكر في الاحتجاج. ومنه يظهر وجه آخر لضعف ما ذكر في الإيراد المتقدّم.
ثالثها : أنّ المتلخّص من الأدلّة الدالّة عليه والملحوظ في المقام (١) : أنّ المتجزّئ بعد تحصيل الظنّ بالحكم هل هو داخل في عنوان الجاهل أو العالم؟ فاندراجه فيما دلّ على المنع من التقليد غير ظاهر ، بل الظاهر خلافه ، لدلالة الأدلّة الدالّة على المنع من العمل بالظنّ على عدم الاعتداد بظنّه ، فيندرج في الجاهل ، ويشمله ما دلّ على وجوب رجوعه إلى العالم حسب ما مرّت الإشارة إليه.
ـ الرابع ـ
انّ الأدلّة الدالّة على حجّية الظنون الخاصّة ـ من الروايات الدالّة على وجوب الرجوع إلى الكتاب والسنّة ، والأخذ بالأخبار المأثورة عن الأئمّة عليهمالسلام ، بتوسّط من يعتمد عليه من النقلة وغيرها ـ يعمّ المطلق والمتجزّئ ، ولا دليل على اختصاصها بالمطلق ، بل الظاهر منها كون الأخذ بها وظيفة لكلّ قادر على استنباط الحكم منها.
ومن هنا نشأ توهّم كون الاجتهاد واجبا عينيّا ، ولو لا قيام العسر والحرج العظيم واختلال نظام المعاش ـ الباعث على اختلال امور المعاد ـ مضافا إلى غير ذلك من الأدلّة الدالّة على جواز التقليد لكان القول بوجوبه العيني متّجها نظرا إلى ما ذكر.
والحاصل : أنّ مرتبة الاجتهاد متقدّمة على مرتبة التقليد ، ولو لا قيام ما قام من الأدلّة على جواز التقليد لقلنا بوجوب الاجتهاد على الأعيان. وحينئذ نقول : إنّ
__________________
(١) لا يخفى قصور العبارة ، وينبغي أن يكون هكذا : أنّ المتحصّل من الأدلّة حرمة التقليد بالنسبة إلى العالم بالحكم وما بمنزلته ، وأمّا الجاهل بالحكم فيجوز التقليد في حقّه إجماعا والملحوظ في المقام.