غاية ما ثبت من الأدلّة جواز التقليد بالنسبة إلى غير المتمكّن من الاستدلال ، وأمّا القادر عليه على نحو المجتهد المطلق فلا دليل على جواز التقليد بالنسبة إليه. وحينئذ فيتعيّن عليه الرجوع إلى الكتاب والسنّة وسائر الأدلّة المقرّرة.
ويرد عليه : أنّ أقصى ما يفيده تلك الأدلّة هو الظنّ بشمول الحكم للمتجزّئ ، ومن المقرّر أنّ الظنّ من حيث هو لا حجّية فيه ، فالعبرة في المقام بالدليل القاطع القائم على حجّية الظنّ ، وليس إلّا الإجماع أو الضرورة ، وهما لا يفيدان ما يزيد على حجّية ظنّ المطلق، إذ لا اجماع ولا ضرورة بالنسبة إلى غيره. ولو قلنا بأصالة حجّية الظنّ مطلقا وقيامه مقام (١) بنفسه حجّة على المطلق من غير حاجة إلى ملاحظة تلك الأدلّة.
نعم لو قلنا بقيام الظنّ بتفريغ الذمّة مقام العلم به حسب ما مرّ بيانه صحّ إلّا أنّ جريان تلك القاعدة هنا على فرض ثبوتها غير ظاهر ، لابتنائها على مقدّمات لا يمكن إثبات غير واحد منها في المقام كما ظهر الحال فيه ممّا قدّمناه.
ـ الخامس ـ
أنّ جواز التقليد في الأحكام مشروط بعدم كون المكلّف مجتهدا فيها ، ضرورة عدم جواز تقليد المجتهد لغيره ، وحينئذ فإن قام دليل على عدم جواز رجوعه إلى ظنّه وعدم تحقّق الاجتهاد في شأنه فلا كلام.
وأمّا مع عدم قيامه كما هو الواقع فلا وجه لرجوعه إلى التقليد ، إذ لو كان أمران مترتّبان يكون التكليف بأحدهما متوقّفا على انتفاء الآخر لم يصحّ الأخذ بالثاني مع عدم قيام الدليل على انتفاء الأوّل ، وهذا الوجه بظاهره في غاية الوهن ، إذ من البيّن أنّ الوجه المذكور على فرض صحّته إنّما يفيد عدم جواز الحكم بالرجوع إلى التقليد قبل قيام الدليل عليه.
__________________
(١) هكذا وجد فيما عندنا من النسخ والظاهر هكذا : وقيامه مقام العلم كان الأصل المذكور بنفسه ... الى آخره.