أمّا صحّة الرجوع إلى الاجتهاد كما هو المدّعى فلا ، كيف! ولو اريد إثبات جواز رجوعه إلى ظنّه قبل إثبات اجتهاده ـ نظرا إلى قضاء توقّف صحّة تقليده على انتفاء اجتهاده ، وترتّب الأمرين ، وتقدّم الرجوع إلى الاجتهاد على الأخذ بالتقليد ليكون قضيّة الأصل هو الرجوع إلى الاجتهاد ، حتّى يتبيّن المخرج عنه ـ لكان ذلك مقلوبا عليه ، فإنّ صحّة اجتهاده في المسألة وجواز رجوعه إلى ظنّه مشروط بأن لا يكون وظيفته التقليد ، ضرورة أنّه ليس الرجوع إلى الأدلّة من وظيفة المقلّد إلى آخر ما ذكر. فمجرّد اشتراط جواز تقليده على انتفاء اجتهاده لا يفيد تقدّم الآخر بحسب التكليف على الوجه المذكور ، كيف! ومن البيّن أنّ وجود كلّ من الضدّين يتوقّف على انتفاء الآخر ، ومع ذلك فلا ترتّب بينهما كذلك ، وإلّا لزم حصوله من الجانبين وهو غير معقول.
ـ السادس ـ
جريان الطريقة في أعصار الأئمّة عليهمالسلام وما قاربها بالرجوع إلى الروايات الواردة عن الأئمّة عليهمالسلام ، ومعلوم بعد ملاحظة كتب الرجال عدم اطّلاع الجميع على جميع روايات الباب فضلا عن غيرها ، بل ربما كان عند واحد منهم أصل أو أصلان أو اصول عديدة متعلّقة ببعض مباحث الفقه ـ كالطهارة والصلاة والصوم ونحوها ـ مع أنّهم كانوا بانين على الأخذ بها والعمل بمقتضاها من غير استنكار منهم لذلك ، فكان إجماعا منهم كاشفا عن تقرير أئمّتهم عليهمالسلام لقيام العلم العادي على اطّلاعهم على ذلك.
ويرد عليه أوّلا : بالنقض ، لقضاء ذلك بجواز الأخذ بما عثر عليه من الروايات من غير أن يجب البحث عمّا يعارضها ، أو يؤيّدها ، وملاحظة الترجيح بينها ، ولا قائل به.
وثانيا : بالحلّ وذلك ، لظهور الفرق بين أعصار الأئمّة عليهمالسلام وما قاربها وهذه الأعصار وما ضاهاها ، لكون الإمام عليهالسلام بالنسبة إلى كثير من أهل تلك الأعصار