كالمجتهد بالنسبة إلى عوامنا ، فكما أنّه يأخذ العامي بقول المجتهد عند سماعه منه أو نقله إليه بتوسّط الثقات من غير حاجة إلى تحصيله لملكة الاجتهاد ، فكذا الحال بالنسبة إلى كثير من الموجودين في تلك الأعصار في جملة من الأحكام ، وليس ذلك من التجزّي في الاجتهاد في شيء ، كيف! ولا خلاف في جواز العمل بما يأخذه المكلّف عن الإمام عليهالسلام بالمشافهة وإن كان حكما واحدا أو أحكاما عديدة ، فلو كان ذلك من التجزّي فالاجتهاد لما كان محلّا للخلاف ، فظهر أنّ استنباط الأحكام على النحو المذكور خارج عمّا هو محلّ الكلام ، فلا حجّة فيه على ما هو مورد النزاع في المقام.
ـ السابع ـ
ظواهر عدّة من الأخبار :
منها : مشهورة أبي خديجة (١) المرويّة في الفقيه وغيره ، وقد ادّعي اشتهارها بين الأصحاب واتّفاقهم على العمل بمضمونها ، فينجبر بذلك ضعفها ، وفيها : انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا فاجعلوه بينكم قاضيا ، فإنّي قد جعلته قاضيا فتحاكموا إليه ، وورود الرواية في القضاء لا يمنع من دلالتها على المدّعى ، للاتّفاق على عدم الفرق بين القضاء والإفتاء.
وقد يناقش فيه : بأنّ المذكور في الرواية خصوص العلم ، ولا شكّ في جواز عمل المتجزّئ به ، إنّما الكلام في الظنّ الحاصل له ، ولا دلالة في الرواية على جواز أخذه به ، وحمل العلم على الأعمّ من الظنّ وإن كان ممكنا لشيوعه في الاستعمالات سيّما في الشرعيّات ، إلّا أنّه مجاز لا يصار إليه إلّا بدليل ، ومجرّد الاحتمال غير كاف في مقام الاستدلال. وحمل قوله عليهالسلام «عرف أحكامنا» في مقبولة عمر بن حنظلة على الأعمّ من الظنّ نظرا إلى الإجماع على عدم اعتبار خصوص العلم في الأخذ بقول المطلق لا يكون دليلا على حمل العلم هنا أيضا على ذلك ، لإمكان الفرق بين الأمرين.
__________________
(١) من لا يحضره الفقيه : ج ٣ ص ٣ ح ٣٢١٦.