وقد يجاب عنه : بقيام الإجماع على اعتبار الاجتهاد في القاضي ، فإن كان ما يظنّه ذلك العالم بالبعض حجّة ثبت المقصود ، وإلّا لم يكن مجتهدا ، فيلزم الحكم بصحّة قضاء من لم يبلغ درجة الاجتهاد ، وهو كما عرفت خلاف الإجماع فتأمّل.
ومنها : مكاتبة إسحاق بن يعقوب (١) إلى الحجّة عليهالسلام وفيها : وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا ، فإنّهم حجّتي عليكم ، وأنا حجّة الله. فإنّ ظاهر إطلاقها يعمّ القضاء والإفتاء ، ويتناول ما لو كانوا قادرين على استنباط جميع الأحكام أو لا؟
وقد يناقش فيه : بأنّ أمره عليهالسلام بالرجوع إليهم في الحوادث الواقعة شاهد على كون المرجوع إليهم عالمين أو قادرين على استنباط الجميع ، إذ لا يمكن إرجاعهم إلى غير القادر على الاستنباط ، ولا يكون ذلك في شأن المتجزّئ.
وقد يدفع ذلك : بأنّ غاية الأمر اعتبار قدرة الكلّ على استنباط الكلّ ، ولا يلزم من ذلك اقتدار كلّ من الآحاد على الكلّ لئلّا ينطبق على المدّعى فتأمّل.
ومنها : مكاتبة ابن ماجيلويه وأخيه إلى أبي الحسن الثالث عليهالسلام المرويّة في رجال الكشي ، حيث سألاه عمّن يأخذا معالم دينهما ، فكتب عليهالسلام إليهما : فاعتمدا في دينكما على كلّ مسنّ في حبّنا وكلّ كثير القدم في أمرنا فإنّهم كافوكما (٢).
ومنها : ما في تفسير الإمام عليهالسلام «فأمّا من كان من الفقهاء صائنا لنفسه ، حافظا لدينه ، مخالفا لهواه ، مطيعا لأمر مولاه ، فللعوام أن يقلّدوه» (٣) فإنّ ظاهر إطلاقها يعمّ المتجزّئ في الجملة بناء على شمول لفظ «الفقيه» لمن قدر على استنباط جملة وافية من الأحكام ، وعرفها عن الأدلّة وإن عجز عن الباقي ، وفيه تأمّل.
ويمكن الإيراد على الاستناد إلى تلك الأخبار : بأنّ أقصى ما يستفاد من إطلاقها على فرض دلالتها الظنّ بجريان الحكم في المتجزّئ ، ومن المقرّر عدم جواز الاستناد إلى الظنّ من حيث هو ، فلا يصحّ اعتماد المتجزّئ عليها. نعم لو قام
__________________
(١) وسائل الشيعة : ج ١٨ باب ١١ من أبواب صفات القاضي ص ١٠١ ح ٩.
(٢) رجال الكشي : ص ٤ رقم ٧.
(٣) تفسير الامام العسكري عليهالسلام : ٣٠٠.