ثالثها : أنّ القول بوجوب تجديد النظر موجب للعسر العظيم والحرج الشديد المنفي في الشريعة نظرا إلى شيوع تكرّر الوقائع سيّما فيما يعمّ به البلوى ، فوجوب تكرّر الاجتهاد بحسبها باعث على ما ذكرنا.
رابعها : جريان السيرة المستمرّة على عدم وجوب التكرار ، ولذا لو سئل مجتهد عن المسألة الّتي اجتهد فيها مرّات عديدة لم يتوقّف عن الإفتاء في غير المرّة الاولى بل يفتي اخرى بما ذهب إليه ولا من غير تأمّل أصلا. وربما يستدلّ له أيضا بإطلاق ما دلّ على حجّية كلّ من الأدلّة الشرعيّة ، فإنّ قضيّة ما دلّ على ذلك هو جواز الرجوع إلى كلّ منها والأخذ بما يدلّ عليه من غير حاجة إلى البحث عمّا يعارضه خرج عن ذلك ما إذا كان الرجوع إليه قبل البحث عن الأدلّة والاجتهاد في تحصيل حكم المسألة نظرا إلى ما دلّ على وجوب استفراغ الوسع في ملاحظة الأدلّة ، فيبقى غير تلك الصورة مندرجا تحت الأدلّة المذكورة فلا يجب الاجتهاد ثانيا وإن زادت القوّة أو نسي ما لاحظه من تفصيل الأدلّة.
وأنت خبير بوهن ذلك لعدم انطباقه على المدّعى ، فإنّ أقصى ما يدلّ عليه الاكتفاء حينئذ في الاستدلال بمجرّد الرجوع إلى أحد الأدلّة المذكورة من غير حاجة إلى البحث عمّا يعارضها ، وأين ذلك عن المدّعى ، على أنّ الظاهر قيام الإجماع على وجوب البحث عن المعارض على فرض الاستدلال بتلك الأدلّة والأخذ بها ، وعلى القول بعدم وجوب تجديد النظر لا حاجة إلى الرجوع إلى أحد الأدلّة المذكورة أيضا ، مضافا إلى أنّ ذلك لا يوافق القول بحجّية الظنون الخاصّة حيث إنّه اقيم الدليل حينئذ على حجّية كلّ واحد منها.
وأمّا على القول بحجّية مطلق الظنّ فإنّما قام الدليل على الرجوع إلى الظنّ بعد بذل الوسع والاجتهاد في تحصيل الأدلّة ، فحينئذ يبقى الكلام في اعتبار الإتيان بالاجتهاد المذكور بالنسبة إلى كلّ واقعة أو يكتفي باجتهاد واحد للجميع ، وليس هناك ما يدلّ على الثاني لو لم نقل باقتضائه الوجه الأوّل. فتأمّل هذا.
ويرد على الأوّل : أنّ الاستصحاب إنّما يكون حجّة عند عدم قيام دليل شرعي