هذا ، ويمكن الجواب أيضا عن الدليل المذكور بوجهين آخرين :
أحدهما : أنّ النواهي التنزيهيّة المتعلّقة بالعبادات ليست متعلّقة بنفس العبادة أو جزئها ، وإنّما هي متعلّقة بحكم الاستقراء بامور خارجة عنها فلا اتّحاد في متعلّق الأمر والنهي ـ مثلا ـ النهي عن الصلاة في الحمّام إنّما يتعلّق حقيقة بالتعرّض للرشاش ، والنهي عن الصلاة في معاطن الإبل إنّما يتعلّق بأنفارها ، والنهي عن الصلاة في البطائح إنّما يتعلّق بالتعرّض للسبيل.
واورد عليه بوجوه :
منها : أنّ ذلك خروج عن ظواهر النواهي من غير دليل والاستدلال المذكور إنّما يناط بالظاهر.
ويوهنه : أنّ الكلام في المقام في الجواز العقلي ولا ريب أنّ مجرّد الظاهر لا يفي في مقابلة من يدّعي الامتناع ، نعم لو لم يقم دليل على المنع لربما صحّ الاستناد إليه ، فمجرّد الخروج عن الظاهر لا يدفع التوجيه المذكور فإنّ بناء التوجيه على الخروج من الظاهر لعدم إمكان الأخذ به.
ومنها : أنّ معنى كراهة تعرّض الرشاش الكون في معرض الرشاش مكروه ، وهذا الكون هو الكون الحاصل في الصلاة فيعود المحذور.
ويدفعه : أنّ التعرض للرشاش بحسب الحقيقة مغاير للكون ، وإنّما الكون من مقدّماته ، فلا وجه لتفسير التعرض له بالكون في معرض الرشاش ، غاية الأمر حصول التعرّض للرشاش بالكون في معرضه فلا اتّحاد بين متعلّق الأمر والنهي.
نعم يمكن أن يقال : إنّ الكون في معرض الرشاش سبب للتعرّض له ، فمع مرجوحيّة التعرض له يكون السبب المفضي إليه مرجوحا فيعود المحذور المذكور. إلّا أن يقال : إنّه لا مانع من اجتماع الكراهة الغيريّة مع الاستحباب والوجوب النفسيّين كما قد يقال به بالنسبة إلى الوجوب النفسي والحرمة الغيريّة حسب ما يأتي الإشارة إليه. وقد يشكل ذلك بأنّا لو قلنا بجواز اجتماعهما في الجملة فجريانه في المقام محلّ تأمّل كما سيظهر الوجه فيه إن شاء الله.