الاستصحابين ، بل لا مانع من جريانهما معا.
توضيح ذلك : أنّ التعارض قد يكون بين الدليلين بالذات ، وقد يكون بالعرض ، مثال الأوّل كقولنا : صلاة الجمعة واجبة ، وصلاة الجمعة ليست بواجبة ؛ لعدم إمكان اجتماع نفي حكم عن موضوع واحد وإثباته فيه ، فلا يكون مفاد الدليلين في أنفسهما قابلا للاجتماع ، ومثال الثاني كما إذا علمنا إجمالا بنجاسة إمّا العباءة أو القباء ونجري استصحاب الطهارة في كليهما ، ومعلوم أنّه لا منافاة ذاتا بين استصحاب طهارتهما ، ولكن العلم بنجاسة أحدهما ، إجمالا يوجب إلقاء التعارض بينهما ، وهذا يسمّى التعارض بالعرض.
والظاهر من كلام النراقي قدسسره في الشبهة أنّ التعارض بين الاستصحابين يكون بالذات وعدم إمكان اجتماع بين مفادهما ، ولكنّه ليس كذلك ، فإنّ تمام الموضوع في الاستصحاب الوجودي هو عنوان الجلوس فقط ، كان الجلوس واجبا قبل الزوال والآن يكون مشكوكا ، فنستصحب وجوب الجلوس بدون أيّ قيد زائد ، وأمّا في الاستصحاب العدمي فنقول : الجلوس المقيّد بما بعد الزوال لم يكن واجبا يقينا ، وبعد وجوب الجلوس قبل الزوال نشكّ في بقاء تلك الحالة السابقة العدميّة ، فنستصحب عدم وجوب الجلوس المقيّد بما بعد الزوال ، ولا منافاة بين مفاد الاستصحابين ، فإنّ الجلوس بما أنّه جلوس واجب ، وبما أنّه مقيّد بهذا الزمان ليس بواجب ، كما نقول : إنّ نفقة الزوجة على الزوج بما أنّه زوج واجب ، وبما أنّه زوج عالم ليس بواجب ، بل إن قلنا بوجوبها عليه بهذا العنوان فهو بهتان على الله تعالى ، وهكذا في ما نحن فيه ، فلا تعارض بين الاستصحابين لا بالذات ولا بالعرض ؛ لتعدّد موضوعهما.