وإن كان الاستصحاب حجّة في الشريعة اللاحقة فصحّة التمسّك بالاستصحاب ـ لإثبات بقاء أحكام الشريعة السابقة ـ فرع حقّيّة الشريعة اللاحقة ، وبعد الالتزام بحقّيّتها لم يبق مجال للاستصحاب ؛ لليقين بارتفاع أحكام الشريعة السابقة حينئذ.
وإن كان مراده الثاني ـ أي إلزام المسلمين ودعوتهم إلى اليهوديّة ـ فنقول له : جريان الاستصحاب متوقّف على اليقين بالحدوث والشكّ في البقاء ، وليس لنا يقين بنبوّة موسى إلّا من طريق شريعتنا ، فإنّ التواتر لم يتحقّق في جميع الطبقات من زمان موسى إلى زماننا هذا ، والتوراة الموجودة عند اليهود ليس هو الكتاب المنزل من الله سبحانه على موسى ، ومن راجعه يجد فيه ما يوجب العلم بعدم كونه من عند الله ؛ من نسبة الزنا والفواحش إلى الأنبياء وغير ذلك ممّا يجده من راجعها.
نعم ، علمنا بنبوّة موسى لأخبار نبيّنا بنبوّته ، فتصديقه يوجب التصديق بنبوّته ، وهذا الاعتراف من المسلمين لا يضرّهم ولا يوجب جريان الاستصحاب في حقّهم ـ كما هو الظاهر ـ وهذا المعنى هو المحتمل من الحديث المتضمّن لجواب الرضا عليهالسلام عن احتجاج الجاثليق بالاستصحاب ، من أنّا معترفون بنبوّة كلّ موسى وعيسى أقرّ بنبوّة نبيّنا صلىاللهعليهوآله ، وننكر نبوّة كلّ من لم يقرّ بنبوّة نبيّنا ، فلا يرد ـ على الجواب المذكور ـ ما ذكره الشيخ رحمهالله من أنّ موسى بن عمران أو عيسى بن مريم ليس كلّيّا حتّى يصحّ الجواب المذكور ، بل جزئي حقيقي اعترف المسلمون بنبوّته ، فعليهم إثبات نسخها.
والحاصل : أنّه ليس لنا علم بنبوّة موسى إلّا بإخبار نبيّنا صلىاللهعليهوآله ، وهو كما يخبر بها يخبر بارتفاعها ، فلا مجال للاستصحاب.