قوله : والحكم العقلي موضوعه معلوم تفصيلا (١).
هذا التحقيق من مبتكرات تحقيقات الماتن قد أشار إليه سابقا في غير موضع ، وقد ذكرنا نحن أيضا ما عندنا في أول رسالة الاستصحاب عند التقسيمات التي أوردها بالنسبة إلى دليل المستصحب ، ونقول هنا أيضا إنّ ما ذكره من عدم إمكان الاجمال في موضوع حكم العقل محل نظر بل منع ، لأنّ المراد من الحكم العقلي الذي نريد استصحابه ليس المراد منه نفس انشاء العقل للحكم واذعانه له وتصديقه به ، إذ لا يشك أحد في أنه لو حكم العقل مثلا بقبح الكذب بوصف أنه ضار ثم ارتفع الضرر في شخص ذلك الكلام الكاذب لا يحكم بقبحه بمعنى أنه لا يذعن بثبوت القبح واقعا ، وهذا المعنى أعني عدم حكمه حينئذ مقطوع به للعقل ، بل المراد منه ما حكم به العقل أي نفس القبح الواقعي الذي هو صفة للفعل وهو كونه مما يستحق به الفاعل للذم من حيث إنّه فاعله ، ولا شك أنّ هذا المعنى صفة واقعية قد أدركها العقل ، وحينئذ نقول يمكن أن يدرك العقل أنّ الكذب الضار فيه صفة القبح قطعا لكن لم يعرف أنّ مناط القبح فيه كونه ضارا أو مجرد كونه إراءة لخلاف الواقع ، فلو كان كذب خاص مثلا ضارا حكم بثبوت القبح فيه قطعا لوجود مناطه فيه قطعا ، وإن كان المناط مرددا عنده بين أمرين إلّا أنه لا يضر بحكمه لوجود كلا الأمرين بالفرض ، ثم إذا زال الضرر عن شخص ذلك الكذب يشك في بقاء صفة القبح في الواقع لاحتمال كون مناطه في الواقع هو الأمر الأعم الباقي فيستصحب ، وما ذكره من عدم حكم العقل إلّا بعد معرفة جميع ما له دخل في مناط القبح واقعا مفصّلا ممنوع أشدّ المنع ، وإنما يعتبر أن يعرف وجود المناط وإن كان مرددا بين أمرين موجودين ، وسيصرح المصنف في المتن
__________________
(١) فرائد الاصول ٣ : ٢١٥.