أنه يمكن أن يكون موضوع حكم الشرع أعم من موضوع حكم العقل ، وليس ذلك إلّا باعتبار أنّ ما هو مناط الحكم واقعا من الوجوه المحسّنة أو المقبّحة قد خفي على العقل وإنما أدرك الحسن أو القبح في العنوان الأخص وكشف الشرع عن عموم المناط والحكم ، فيمكن فرض مثله فيما لم يرد من الشارع حكم ما عدا ما استفيد من العقل ، فيفرض حصول الشك في بقاء المناط عند تغيّر بعض ما يحتمل كونه دخيلا فيه ، وهذا واضح بعد هذا البيان ومراجعة الوجدان.
وإن شئت زيادة التوضيح فلاحظ استصحاب حال الإجماع يعني إذا كان الدليل المثبت للحكم في الزمان الأول هو الإجماع ثم حصل التغيّر في وصف من أوصاف الموضوع وشك في بقاء نفس الحكم واقعا مع فرض عدم الإجماع على الحكم في هذه الحالة الطارئة ، فإنّ المصنف يقول بجريان الاستصحاب فيه هنا مع أنه لا فرق بينه وبين ما نحن فيه مما كان دليل ثبوت الحكم المستصحب العقل والبيان البيان ، وظنّي أنّ منشأ توهم المصنف أنه أراد بالحكم العقلي الذي لا يمكن طروّ الشك فيه نفس إذعان العقل وتصديقه ، وهو كذلك إلّا أنّ هذا كلام بديهي خال عن الفائدة ، ثم اشتبه عليه الأمر واختار عدم جواز استصحاب حكم العقل بمعنى المحكوم به للعقل وهو صفة الحسن والقبح ، لأنه زعم عدم إمكان حصول الشك فيه فتأمّل وافهم واستقم.
قوله : مع أنك ستعرف في مسألة اشتراط بقاء الموضوع (١).
هذا دليل آخر على عدم جريان استصحاب حكم العقل ، وقد اقتصر عليه عند تعرّضه للمسألة في تقسيمات الاستصحاب ، وقد ذكرنا هناك وسنذكر أيضا أنّ تشخيص بقاء الموضوع بالعرف لا بالدقّة العقلية حتى بالنسبة إلى الأحكام
__________________
(١) فرائد الاصول ٣ : ٢١٦.