مثلا الشك في كون غليان العصير الزبيبي سببا للحرمة مرجعه إلى الشك في اقتضاء الغليان للحرمة حتى بعد ما صار العنب زبيبا ، أو مقصور على الغليان حال العنبية فقط. وبعبارة اخرى يرجع الشك إلى أنّ المجعول الشرعي سببية الغليان للحرمة في جميع الحالات الطارئة على العنب أو المجعول سببيته له ما لم يصل إلى حدّ الزبيبية ، وهذا الإشكال وارد على المصنف ومن يقول بعدم حجية الاستصحاب في الشك في المقتضي ، اللهمّ إلّا أن يتكلّف ويقال إنّ شكه يرجع إلى الشك في رافعية وصف الزبيبية لحكم الحرمة التعليقية الثابتة قبله وعدمها.
ثم اعلم أنّ الاستصحاب التعليقي بمعنى استصحاب الحكم على تقدير أو بمعنى استصحاب الملازمة والسببية بناء على معقولية الحكم المشروط وثبوت الأحكام الوضعية كما عرفت إنما يجري فيما إذا أحرزنا أنّ المجعول الشرعي هو الحكم المشروط أو السببية كما هو ظاهر قوله «إذا غلى واشتدّ العصير يحرم» (١) وأمّا إذا كان ذلك من انتزاع العقل للملازمة بين الحكم وموضوعه كما لو قال يجب الحج على المستطيع ، فينتزع العقل منه أنّ الاستطاعة سبب لوجوب الحج وأنّ زيدا بحيث لو استطاع وجب عليه الحج ، فلا ينفع في جريان الاستصحاب التعليقي عند الشك في وجوب الحج بالاستطاعة في خصوص حال من الحالات ، إذ ليس هنا حكم شرعي قابل للاستصحاب ، وهذا واضح بعد التنبيه عليه ، وكثيرا ما يشتبه الأمر لأجل عدم التفطّن لهذه الدقيقة ، وأغلب الأمثلة التي ذكرناها في صدر المبحث من قبيل الحكم الانتزاعي ليس مجرى للاستصحاب فلا تغفل.
__________________
(١) الوسائل ٢٥ : ٢٨٧ / أبواب الأشربة المحرّمة ب ٣.