اختلاف المذهبين ، فعلى الأوّل يكون الاستصحاب من الأدلّة والبحث عنه من مسائل الاصول ، وعلى الثاني من القواعد الفرعية ، وهذا هو الأظهر الموافق لأكثر تعريفات الاستصحاب كالابقاء والبقاء وما يساوقهما كما عرفت سابقا ، هذا كلّه ما يقتضيه النظر الجلي ، إلّا أنّ التحقيق الذي يقتضيه النظر الدقيق ما سيأتي في الحاشية اللاحقة.
قوله : نعم تندرج تحت هذه القاعدة مسألة اصولية (١).
وعلى هذا ينبغي أن يعدّ الاستصحاب من القواعد المشتركة بين الاصول والفقه ، بل قد عرفت أنّه ربما يجري الاستصحاب في المسائل الكلامية لو فرض تحقّق أركانه وشرائطه فيها ، فإذن يكون مشتركة بين الثلاثة ، وحيث كان بهذه المثابة فالتحقيق أن يقال إنّه تابع لما يستصحب ، فإن كان المستصحب حكما شرعيا فالمسألة فقهية متعرّضة لثبوت ذلك الحكم في الزمان اللاحق أيضا ، وإن كان شيئا من عوارض الدليل مثل عدم التخصيص والنسخ وأمثالهما فالمسألة اصولية ، وإن كان موضوعا خارجيا كعدالة زيد ونجاسة ثوبه أو رطوبته ونحوها فلا يعدّ من مسائل العلوم بل هو ممّا يحرز به الامور الخارجية كالبيّنة وقول ذي اليد وأمثالهما ، لكن يصح عدّه بهذا الاعتبار من مبادئ الفقه نظرا إلى أنّه ممّا يتشخّص به موضوعات الأحكام الفرعية فتأمّل.
إذا عرفت ذلك فنقول : لو قلنا بأنّ تمايز العلوم بتمايز موضوعاتها كما هو المشهور ، وأنّ كلّ مسألة باحثة عن عرض موضوع علم فهي من مسائل ذاك العلم ، كان الاستصحاب على هذا من القواعد المشتركة كما عرفت ، ولو قلنا بأنّ مناط التميّز الغرض الداعي إلى البحث عن المسألة ويقال لو كان الغرض معرفة
__________________
(١) فرائد الاصول ٣ : ١٨.