قوله : كشف عن صحة الأول من الأخيرين (١).
قد عرفت الإشكال في التوجيه الأول والثاني مفصّلا ، والإشكال في التوجيه الثالث أيضا واضح لأنه مبني على حجية الاصول المثبتة لأنه من أقوى أفرادها.
ثم إنّ هنا توجيها رابعا سليما عن الإشكالات وهو أن يستصحب الوجوب النفسي الثابت للأجزاء الميسورة سابقا في ضمن الكل بأن يقال إنّ الوجوب النفسي المتعلق بالمركّب قبل تعذّر الجزء قد تعلق بكل جزء جزء منه ضمنا لأنّ المركّب عين الأجزاء ، وعند تعذّر الجزء يشك في بقاء ذلك الوجوب بالنسبة إلى الأجزاء الباقية فالأصل بقاؤه.
فإن قلت : إنّ هذا أيضا غير صحيح ، لأنّ الوجوب النفسي الضمني قد ارتفع قطعا بتعذّر الجزء ، والذي يراد ثبوته هو الوجوب النفسي الاستقلالي وهو معلوم الانتفاء في السابق مشكوك الحدوث في اللاحق.
قلت : إنّ الوجوب الضمني المتحقق في السابق لو بقي بحكم الشارع إلى ما بعد تعذّر الجزء يصير وجوبا استقلاليا قهرا وهو هو بعينه لم يتبدّل إلى فرد آخر من الوجوب ، يتّضح ذلك بملاحظة نظائره مثل ما لو علم بوجوب شيء موسّعا إلى غاية كذا ثم شك في بقائه في أثناء الوقت بحيث لم يبق من الوقت إلّا مقدار أدائه ، فلا ريب في صحة جريان استصحاب الوجوب السابق ، مع أنّ الواجب على تقديره يكون مضيّقا حينئذ البتة ، وهذا التضييق من لوازم بقاء الوجوب الموسّع إلى هذا الحين لا أنه تبدّل ذلك الوجوب بالوجوب الآخر ، ومثل ما لو علم بوجوب شيء في السابق على نحو التخيير بينه وبين شيء ثم شك في بقاء ذلك
__________________
(١) فرائد الاصول ٣ : ٢٨٢.