قوله : وقد جعل بعض السادة الفحول الخ (١).
هو بحر العلوم على ما حكي عنه في فوائده (٢) ، ويمكن أن يوجّه كلامه بحيث لا يتوجّه عليه ما أورده المصنّف عليه بأن يقال إنّ الاستصحاب عبارة عن إبقاء ما كان وإثبات الشيء بملاحظة الحالة السابقة ، والحكم الذي يستدلّ له بالاستصحاب هو الوجوب أو الحرمة الفعليان مثلا في الظاهر ، ولم يعتبر في هذا الحكم الخاصّ ملاحظة الحالة السابقة كما اعتبر في دليله أي الاستصحاب ، فليست القضية الكلّية المستفادة من حديث لا تنقض عين الأحكام الجزئية الثابتة بها ويكون تفاوتها بالعموم والخصوص ، بل يكون من إثبات قضية بقضية اخرى وهو المعني من الدليل والمدلول.
والجواب : أنّ هذا المقدار من التفاوت لا يجدي فيما أراده ، فإنّ الحكم والموضوع في القضيتين واحد ومجرّد ملاحظة الحالة السابقة المأخوذة في إحدى القضيتين دون الاخرى لا يوجب أن تكون إحداهما دليلا مثبتا للاخرى.
فإن قلت : سلّمنا ذلك ومع ذلك نقول بأنّه إنّ الاستصحاب دليل على ثبوت الأحكام الجزئية في مواردها لأنّه يصحّ به أن يرتّب قياس عليها هكذا : هذا الشيء كان واجبا في السابق ، وكلّ ما كان واجبا في السابق فهو واجب فعلا ، فهذا الشيء واجب فعلا ، فقد استدلّ على الوجوب الفعلي المطلوب بالقضية الكلّية التي جعلت كبرى القياس وهو الاستصحاب.
قلت : نعم يصحّ إطلاق الدليل عليه بهذا الاعتبار كما أنّ جميع القضايا الكلّية بهذا الاعتبار دليل على جزئياتها اصولية كانت أو فرعية أو غيرها ، ألا ترى
__________________
(١) فرائد الاصول ٣ : ١٩.
(٢) فوائد السيّد بحر العلوم : ١١٦ ـ ١١٧.