بين الاصول والأدلة تعدّد الموضوع ، لأنه من المعلوم أنه لا يتحقق التناقض بين قضيتين إلّا بعد اجتماع الوحدات الثمانية التي منها وحدة الموضوع ، لكنه قد ضرب على هذه العبارة هنا في بعض النسخ خط المحو ، وقد ذكرنا نحن سابقا فساد هذا الكلام ، فإنه لمّا كان موضوع الحكم الواقعي الذي هو مفاد الأدلة نفس الفعل أعم من أن يكون حكمه معلوما أو مظنونا أو مشكوكا أو موهوما أو مغفولا عنه بالمرة بناء على الصواب من مذهب المخطّئة ، فلا جرم يكون الفعل في حال الشك في حكمه الذي هو موضوع الأصل بعض أفراد الموضوع الواقعي للدليل فاتّحد الموضوع فيهما فيحصل التعارض بينهما.
قيل : إنّ وجه عدم التعارض بين الاصول والأدلة اختلاف المحمول فيهما دون الموضوع ، لأنّ المحمول في الاصول هو الحكم الظاهري الفعلي ، وفي الأدلة هو الحكم الواقعي الشأني وأحدهما ليس من سنخ الآخر حتى يتنافيا.
وفيه : أنّ هذا الجواب مناسب لدفع التناقض المورد على جعل الأحكام الظاهرية كلّية في قبال الأحكام الواقعية حيث إنه عند الشك في الحكم الواقعي ليس الحكم الفعلي سوى مفاد الأصل والحكم الواقعي باق على شأنيته لم يصر فعليا ، وهذا بخلاف ما نحن فيه فإن الحكم الواقعي الذي هو مفاد الدليل فعلي لحصول العلم به بالفرض ، ومفاد الأصل أيضا فعلي فيحصل التعارض بين حكمين فعليين فافهم. وكيف كان لا كلام في تقديم الأدلة الاجتهادية على الاصول العملية ، إنما الكلام والإشكال في وجه التقديم وقد مرّ في أول رسالة أصل البراءة الوجوه المذكورة فيه مفصّلا ولا بأس باعادة الكلام فيها اجمالا فإنه لا يخلو عن فائدة ، فنقول إنّ فيه وجوها :
أحدها : الحكومة وتقرر بوجوه : الأول ما يستفاد من المتن هنا وفي رسالة أصل البراءة أيضا وهو أنّ دليل حجية الأدلة الاجتهادية قد نزّل مؤدّاها