ويحتمل أن تكون مؤدّيات الاصول والأمارات أيضا كذلك أحكاما واقعية ثانوية ثابتة لجميع المكلّفين حتى قبل العثور عليها والأخذ بها والمجتهد بعد الفحص عنها قد يصيب وقد يخطئ ، ويحتمل أن لا يكون هناك حكم في الواقع إلّا بعد العثور عليه والعلم به ، ويحتمل الفرق بين الأمارات فالأول والاصول فالثاني ، وأوسط الوجوه أوسطها ، فما لم يعلم بها ليس مكلّفا إلّا بالأحكام الواقعية ، وقد مضى شطر من الكلام في هذا في رسالة الاستصحاب وفي رسالة الظن في كيفية جعل الاصول والأمارات ففيه الكفاية.
وأمّا الأحكام الاصولية فيحتمل فيه وجوه ، أحدها : أن تكون مثل الأحكام الفرعية الواقعية أحكاما مشتركة بين الكل كما اختاره في المتن لعموم أدلتها لجميع المكلّفين. ثانيها : أن تكون مختصة بالمجتهد لعجز المقلّد عنها ولا يتعلّق التكليف بغير القادر عليه. ثالثها : الفرق بين ما تعلّق بموضوع موجود في الخارج قبل الاجتهاد والفحص كوجوب العمل بالخبر وحجية الإجماع ونحوه فالأول ، وبين ما تعلق بموضوع لا يتحقق إلّا بعد الفحص والاجتهاد كحجية الظن والقطع فالثاني لعدم تحقق موضوعه بالنسبة إلى المقلّد.
والحق من هذه أوسطها ، وذلك لأنّ الأحكام الاصولية أحكام تتعلّق بكيفية استنباط الأحكام الفرعية عن الأدلة ، فلا يمكن تعلّقها إلّا لمن هو أهل للاستنباط. وبعبارة اخرى أنّها أحكام إرشادية جعلت لأجل التوصّل بها إلى الأحكام الفرعية لكن في حق من يمكن أن يجعلها طرقا إلى الأحكام كالمجتهد ، وأمّا المقلّد فقد جعل له التقليد طريقا إلى الأحكام فكأنه ورد من الشرع يجب تحصيل الأحكام الفرعية العملية بالطرق المقدورة والمقلّد لا يقدر على غير الأخذ من المفتي فطريق تحصيله منحصر فيه وتكليفه متعلق به فقط ، وبالجملة فقد ظهر فساد المبنى وهو كون المقلّدين مكلّفين بالأحكام الاصولية كالمجتهد ليكون المجتهد