أنّ التخيير في المقام يتصوّر على وجوه ثلاثة ، الأول : التخيير الواقعي الأوّلي نظير التخيير بين الخصال ، وهو إنما يتصوّر هنا بناء على حجية الأخبار من باب السببية بمعنى أن تكون الحجة عنوان تصديق العادل من حيث هو هذا العنوان وأنه موضوع من الموضوعات ، فيرجع على هذا باب التعارض إلى باب التزاحم مثل التخيير بين إنقاذ أحد الغريقين إذا تعذّر إنقاذهما معا ، وقد مرّ فساد ذلك وأنه يرجع إلى التصويب الباطل.
الثاني : التخيير الظاهري العملي بمعنى أن يكون حكم الشارع في المورد هو التخيير أيضا كالأول إلّا أنه في مقام الظاهر دون الواقع.
الثالث : التخيير الأخذي بمعنى أن يكون مخيّرا في الأخذ بإحدى الروايتين ، والفرق بينه وبين سابقه أنه بناء على التخيير العملي يحكم باباحة الفعل فيما إذا دلّت إحدى الروايتين على الوجوب والاخرى على الحرمة ، وعلى التخيير الأخذي يحكم بالوجوب لو اختار الخبر الدال عليه ويؤتى به البتة بعنوان أنه واجب أو يحكم بالحرمة لو اختار الآخر ويترك حتما بعنوان أنه حرام ، وكذا إذا كان أحد الخبرين دالا على وجوب الجمعة والآخر على وجوب الظهر ، فبناء على التخيير العملي يحكم بوجوبهما لكن على وجه التخيير ، وعلى التخيير الأخذي يتخيّر في الأخذ فإن أخذ بخبر الظهر يحكم بوجوبه بالوجوب التعييني ويأتي به بهذا العنوان ، وكذا إن أخذ بخبر الجمعة يحكم بوجوبها تعيينا ويقصده عند إتيانه ويتقرّب بها بهذا العنوان.
إذا عرفت هذا نقول : يظهر ممّا ذكره المصنف في رسالة أصالة البراءة في حكم الشك في التكليف الناشئ من تعارض النصّين أنه أراد بالتخيير فيه هو التخيير العملي ، وذلك لأنه جعل التخيير فيه نظير التخيير الذي يحكم به في مسألة فقدان النص ومسألة إجمال النص ، ولا ريب أنّ التخيير في المسألتين فرعية