قوله : فتأمّل (١).
لعلّ وجهه أنه بناء على كون التخيير من باب تزاحم الواجبين أيضا يمكن أن يكون التخيير بدويا ، لأنّ التخيير إنما هو بين مفاد الخبرين ومفاد كل خبر ليس إلّا أنّ حكم الله كذا أبدا ، فإن أخذت تارة بمفاد أحدهما واخرى بمفاد الآخر لم تأخذ بتمام مفاد واحد منهما ، لما عرفت من أنّ الأخذ بالخبر معناه تطبيق العمل عليه دائما.
لكن يرد عليه : أنه لا ارتباط بين الأفعال المستقلّة في الوقائع المختلفة المستقلة المتحدة الحكم ، فلو عمل بالخبر يوما مثلا ولم يعمل به يوما آخر لا يقال إنه ما عمل بالخبر أصلا ، بل يقال إنه عمل به في واقعة ولم يعمل به في واقعة ، ونظيره ما لو قال أكرم العلماء فإن أكرم بعض العلماء وترك إكرام البعض الآخر لا يقال إنه ما عمل بالخطاب أصلا ، بل يقال عمله في بعض وتركه في بعض.
ويحتمل أن يكون وجهه أنه يمكن أن يكون التخيير الظاهري بناء على الطريقية أيضا كالتخيير الواقعي بناء على السببية استمراريا ، إذ كما أنّ السببية بحكم العقل تقتضي التخيير مستمرا ، لأنّ ملاك حكم العقل بالتخيير وهو كون كل من الخبرين علّة لوجوب العمل موجود في الزمان الثاني بعد الأخذ بأحدهما أيضا ، كذلك نقول بمثله على تقدير الطريقية لأنّا قد علمنا أنّ ملاك الطريقية والحجية في الخبر هو الظن النوعي اللازم لطبيعة الخبر ، وهذا المعنى باق بعد الأخذ والعمل بأحد الخبرين.
ويمكن أن يكون الأمر بالتأمّل إشارة إلى أنه يمكن أن يقال بناء على كون المقام من باب تزاحم الواجبين أيضا أنّ المقتضي للعمل يقتضي العمل على وجه
__________________
(١) فرائد الاصول ٤ : ٤٤.