من أنّ الحكم بالتخيير إنما هو في مورد الشك والحيرة ومع وجود العموم أو الاطلاق لا حيرة ، مدفوع بما ذكرنا سابقا من أنّ التخيير إنما هو في موضوع مجيء الخبرين المتعارضين اللذين لا يعلم أنّ أيّهما حق ، وهذا الموضوع متحقق ولو مع وجود العموم أو الاطلاق.
ثم إنّ الحكم بالتخيير في مورد الاصول العملية لولاه واضح لا غبار عليه ، وأمّا في موارد العموم أو الاطلاق فالوجه فيه أنه إن جعلنا التخيير أخذيا يكون ما اختاره المجتهد من الخبرين دليلا اجتهاديا يخصص به العموم أو الاطلاق المخالف له ، وإن كان عمليا فإنه وإن كان في عداد الاصول العملية وما يقابله من العموم أو الاطلاق دليل اجتهادي وشأن الأدلة ورودها على الاصول ، إلّا أنّ حكم التخيير هنا مقدّم على العموم والاطلاق ، والفرق بينه وبين سائر الاصول التي يقدّم عليها العموم أو الاطلاق أنّ موضوع تلك الاصول هو الشك في الحكم الواقعي ، ومع وجود الدليل الاجتهادي يرتفع الشك المذكور ولو تنزيلا ، لأنّ مدلوله هو الحكم الواقعي ، وهذا بخلاف التخيير فإنّ موضوعه الشك فيما جعل حجة من الخبرين المتعارضين ، ومن الواضح أنه لا يرتفع هذا الشك بوجود دليل كاشف عن الحكم الواقعي ، ومع بقاء موضوعه فإن اختار الخبر المخالف للعموم أو الاطلاق يخصص به العموم ويقيّد به الاطلاق ، وبعبارة اخرى يكون التخيير في المسألة الاصولية وإن كان المختار حكما عمليا في ذلك الموضوع.
وممّا ذكرنا يظهر ما فيما ذكره المصنف (١) في رسالة أصالة البراءة في مسألة ما إذا تعارض النصّان في جزئية شيء للمركّب حيث قال ما ملخّصه : إنّ أخبار التخيير مسوقة لبيان عدم جواز طرح المتعارضين والرجوع إلى الاصول
__________________
(١) فرائد الاصول ٢ : ٣٤٩ ـ ٣٥١.