ويرد عليه : أنه لا مانع من تقوية ذلك المناط بما يكون من سنخه من المرجحات مثل أن يكون أحد الخبرين المتعارضين معاضدا بمثله فإنه يقع التعارض في الحقيقة بين ظنين شأنيين وبين ظن شأني واحد ، ولا ريب في كون الأول أرجح بحسب مناط الحجية ، وكذا مثل أن يكون راوي أحدهما أعدل أو أضبط فإنّ الظن الشأني فيه أقوى من الآخر ، بل وكذا الرجحان بكون أحدهما مظنون المطابقة للواقع بالظن الفعلي الحاصل من الأسباب المتعارفة في طريقة العقلاء فإنه يقوى بذلك مناط الحجية لأنّ من شأن تلك الأسباب إفادة الظن وقد حصل ، نعم لو حصل الظن بمطابقة أحدهما من الأسباب غير المتعارفة عند العقلاء كالنوم والاستخارة والرمل ونحو ذلك لم ترجح به ، لأنّ هذا الرجحان الحاصل من الامور المذكورة ليس من سنخ مناط الحجية ، إذ لم يكن من شأن الامور المذكورة إفادة الظن نوعا فتدبّر.
قوله : وإن قلنا بالتخيير ... من باب السببية (١).
محصّل ما ذكره أنه ليس الامور التي توجب أقربية مضمون أحد المتعارضين إلى الواقع ممّا يوجب الترجيح في حكم العقل بناء على السببية ، وهو كذلك لكنّا نقول لو فرض الشك في ثبوت الترجيح لأجل احتمال كون ذي المزية ممّا جعله الشارع مرجحا تعبّدا لا من حيث كونه أرجح في مناط الحجية فلا ريب أنّ العقل لا ينفي ذلك الاحتمال بمجرد كون المتعارضين متساويين في ملاك أصل الحجية ، بل لنا أن نقول يمكن أن يكون ما جعله الشارع مرجحا مؤكّدا لما هو مناط الحجية ، إذ يحتمل أن تكون المصلحة المقتضية لحجية قول العادل عدالته فيكون وصف الأعدلية مؤكّدا لتلك المصلحة وحينئذ لا يقطع العقل بتساوي
__________________
(١) فرائد الاصول ٤ : ٥٢.