قد يكون المستصحب ممّا دلّ دليل على أنّ طريق ثبوته منحصر في العلم دون غيره وقد لا يكون كذلك ، ولا ريب أنّ القسم الثاني محلّ النزاع ، وأمّا القسم الأوّل فلا يمكن أن يكون محلا للنزاع لأنّه عند الشكّ في بقاء المستصحب يقطع بعدم ثبوته ظاهرا بمقتضى الدليل المفروض فلا يمكن إثباته ظاهرا بالاستصحاب ونحوه ، ولا يتوهّم أنّ هذا ممّا اعتبر العلم في موضوعه جزءا أو قيدا ، ولا يعقل عند الشكّ بقاء ذلك الموضوع فهو معلوم الانتفاء واقعا لا ظاهرا فقط ، وجه الدفع أنّ الدليل المفروض قد فرضناه دليلا على انحصار طريق انكشاف الواقع في العلم لا على اعتبار العلم جزءا للموضوع ، فيمكن ثبوت الواقع في نفسه من غير طريق إليه ، إذ لا يمكن قيام الأمارات أو الاصول مقام العلم في هذا الفرض ، هذا ويمكن جعل هذا التقسيم من وجوه التقسيم بالاعتبار الثاني أيضا لا يخفى وجه مناسبته.
وهنا تقسيمان آخران باعتبار المستصحب ينبغي التنبيه عليهما لتشخيص محلّ النزاع ، أحدهما : أنّه قد يكون المستصحب حكما أو موضوعا ابتدائيا في اعتبار الشرع والشارع كأغلب الأحكام وموضوعاتها ، وقد يكون حكما أو موضوعا ثانويا تابعا لما اعتبره غير الشارع كما في أمر الشارع باطاعة الوالدين أو العبد لمولاه أو الزوجة لزوجها ، وكذا حكمه بوجوب الوفاء بالنذر والعهد وسائر العقود ، فإنّ حكم الشارع فيها تابع لأمر الوالدين أو المولى أو الزوج أو ما جعله الناذر أو العاقد ودائر مدارها لا يزيد ولا ينقص ، ومحلّ النزاع في الاستصحاب هو القسم الأوّل دون الثاني ، والوجه في ذلك أنّ ما كان من القسم الأوّل لمّا كان اعتبار الحكم أو الموضوع من الشارع ابتدائيا فحكمه بالبقاء في الزمان الثاني عند الشكّ في بقائه يرجع إلى الحكم بتعميم ما جعله أوّلا وإسرائه إلى ما بعد اليقين به بحيث يكون مؤدّى مجموع الجعل الأوّلي والاستصحاب أمرا