والمجازات التي قرائنها منفصلة فوق حدّ الاحصاء في الشرعيات وغيرها ، ولا شك أنّها متّصفة بالصدق ، خلافا لما عن المحقق القمي (رحمهالله) (١) حيث قال إنّ التورية كذب قائلا إنّ الصدق والكذب تابعان لما يفهم من اللفظ عرفا ، وتبعه بعض مشايخنا المعاصرين وأغرب حيث قال : إنّ التورية لا تخرج الكلام عن الكذب إلّا بناء على القول بالكلام النفسي الذي هو مذهب الأشاعرة ، وجعل هذا من ثمرات القول بالكلام النفسي.
ومحصّل ما ذكره في بيانه : أنّ الصدق والكذب من صفات الكلام ، والكلام هو اللفظ المستعمل في المعنى ، والاستعمال لا يتحقق إلّا إذا كان لغرض التفهيم ، فمجرد قصد المعنى من اللفظ من دون إرادة تفهيمه لا يعدّ استعمالا ، وحينئذ فنقول إنّ المورّي لم يرد من اللفظ ظاهره الذي قصد تفهيمه وعلى فرضه يكون كذبا ، فمن هذه الحيثية لا يتّصف كلامه بالصدق ، وأمّا بالنسبة إلى المعنى الذي أراده فحيث لم يرد تفهيمه لا يكون استعمالا فلا يكون لفظه كلاما ليتّصف بالصدق ، غاية الأمر أنه تصوّر في نفسه معنى وقضية معقولة ، فإن قلنا بالكلام النفسي نقول إنّ تلك القضية المعقولة كلام نفسي صادق من جهة مطابقته للواقع ، وإن لم نقل بذلك فلا يكون هناك كلام صادق لأنّ المفروض أنّ الكلام اللفظي ليس بمستعمل بل ليس بكلام والنفسي لا نقول به بالفرض ، وعلى الأول وإن كان صدق ذلك الكلام النفسي لا دخل له بالكلام اللفظي إلّا أنه يمكن تتميمه وتصحيحه بدعوى أنه يكفي في صدق الكلام اللفظي مقارنته لكلام نفسي صادق ، لأنّ الأشاعرة ذكروا أنّ صدق اللفظي وكذبه تابعان لصدق النفسي وكذبه وأنهما لا ينفكّان ، فثبت أنّ خروج الكلام بالتورية عن حدّ الكذب موقوف على الكلام
__________________
(١) قوانين الاصول ١ : ٤١٩.