العقل هو الكذب مطلقا أو بقيد كونه مضرّا ، وبين أن يشكّ في بقاء مضرّة الكذب الفلاني مع العلم بأنّ موضوع حكم العقل هو الكذب المضرّ ، وكلامه في التنبيهات خال عن هذا الخلط والخلل ، لأنّه بيّن كلا من الأمرين ووجّه حال تحقّق الاستصحاب في كلّ منهما على حدة ببيان أوضح ممّا هنا هذا ، وقد بقي الكلام في صحّة الدليل المذكور هنا لعدم جواز استصحاب حكم العقل بالمعنى المذكور وسقمه وسيأتي التعرّض له عن قريب فانتظر.
وأمّا المعنى الثالث : وهو استصحاب موضوع حكم العقل كما إذا شكّ في بقاء مضرّية الصدق الفلاني بعد ما كان مضرّا في السابق مع فرض أنّ موضوع حكم العقل بالقبح هو عنوان المضرّ المنطبق على المشكوك قبل طروّ الشكّ ، فاستدلّ الماتن على عدم تحقّق الاستصحاب فيه بما ملخّصه : أنّ موضوع حكم العقل هو المضرّ الواقعي تحقيقا ، وباستصحاب بقاء مضرّية الصدق الذي كان مضرّا في السابق لا يثبت موضوع حكم العقل بالقبح ليتفرّع عليه حكم الشرع بالحرمة بقاعدة الملازمة ، لأنّ موضوع حكم العقل بالقبح هو المضرّ الواقعي لا المضرّ التنزيلي الثابت بالاستصحاب ، فإذا لم يتحقّق موضوع حكم العقل بالقبح بالاستصحاب لم يتحقّق موضوع حكم الشرع بالحرمة أيضا ، لأنّ حكم الشرع هنا تابع لحكم العقل يدور مداره وجودا وعدما حكما وموضوعا.
ولكن التحقيق جريان استصحاب الموضوع هنا بملاحظة كونه موضوعا لحكم الشرع بالحرمة ولا يحتاج إلى توسيط كونه موضوعا لحكم العقل في مقام إجراء الاستصحاب وإن كان حكم الشرع تابعا لحكم العقل من أوّل الأمر ، بيان ذلك : أنّ لنا في المقام قضية عقلية بأنّ المضرّ قبيح دلّ عليها العقل ، لم يطرأ شك بالنسبة إليها لا في موضوعها ولا في حكمها ، ولنا قضية شرعية بأنّ المضر حرام دلّ عليها قاعدة الملازمة بين حكم العقل والشرع ، لم يطرأ شك بالنسبة إليها