المعنى امرا ذهنيا غير قابل للانطباق على الخارج (١) ، وانما يؤخذ نحو اللحاظ قيدا لنفس العلقة الوضعيّة المجعولة من قبل الواضع (٢) ، فاستعمال الحرف في الابتداء حالة اللحاظ الاستقلالي استعمال في معنى بلا وضع ، لان وضعه له مقيّد بغير هذه الحالة لا استعمال في غير ما وضع له.
والاتجاه الثاني : ما ذهب إليه مشهور المحققين بعد صاحب الكفاية من ان المعنى الحرفي والمعنى الاسمي متباينان ذاتا ، وليس الفرق بينهما باختلاف كيفية اللحاظ فقط ، بل ان الاختلاف في كيفية اللحاظ ناتج عن الاختلاف الذاتي بين المعنيين على ما سيأتي توضيحه إن شاء الله تعالى.
أمّا الاتجاه الاوّل فيرد عليه ان البرهان قائم على التغاير السنخي والذاتي بين معاني الحروف ومعاني الاسماء ، وملخصه انه لا اشكال في ان الصورة الذهنية التي تدلّ عليها جملة «سار زيد من البصرة الى الكوفة» مترابطة ، بمعنى انها تشتمل على معان مرتبط بعضها ببعض فلا بد من افتراض معان رابطة فيها لايجاد الربط بين «السير» و «زيد» و «البصرة» و «الكوفة» ، وهذه المعاني الرابطة ان كانت صفة الربط عرضيّة لها وطارئة فلا بدّ ان تكون هذه الصفة مستمدّة من غيرها ، لانّ كل ما بالعرض ينتهي
__________________
(١) اعلم انّ المعاني الذهنيّة المقيّدة بقيود ذهنية تصير من قبيل الكلّي العقلي الذي لا وجود له في الخارج كالانسان الكلّي ، فانه لا يوجد انسان كلّي في الخارج ، وكذلك المعنى الاسمي والمعنى الحرفي فانه لو افترضنا انهما مقيدان باللحاظ المستقلّ واللحاظ الربطي فانه لا يعود لهما وجود ومصداق في الخارج.
(٢) اي خارج المعنى لا داخله.