كذلك الصلاة والصيام (١) وجملة من العبادات الاخرى لم تكن غريبة عن ذهنية الناس قبل مجيء الاسلام ... فان مجتمع الجزيرة كان فيه جمع غفير من اصحاب الديانتين السابقتين على الاسلام وكان يعيش تفاعلا مستمرّا مع اصحابهما وهم يمارسون مختلف عباداتهم التي جزء كبير منها مشترك بينهما وبين الاسلام ، بل كان في القبائل العربية الاصيلة نفسها من اعتنق احدى الديانتين ، ومن البعيد افتراض انهم كانوا لا يطلقون اسما عربيا على تلك العبادات رغم شيوعها ودخولها في محل ابتلائهم ، ولو كانت مسمّاة عندهم باسماء أخرى لبان ذلك في لغتهم ولنقله تاريخ الادب العربي لا محالة.
وممّا يعزّز قدم الأسماء ان الاسلام والقرآن الكريم منذ بداية الوحي طرح نفس الأسماء واستعملها لافادة تلك العبادات يوم كان النبي صلىاللهعليهوسلم مستضعفا وليس في مرحلة ايجاد عرف لغوي جديد ، وهذا يعني ان تلك الألفاظ لم تكن بدعا من التعبير ولم يستغربها الناس ، وهو كاشف عن تعارفها بمعانيها العباديّة قبل ذلك. بل نلاحظ ان القرآن الكريم يعرّض بكفّار الجاهلية وبعبادتهم فيطلق عليها في مجال التعريض اسم «الصلاة» ، وهذا ظاهر في ان هذا اللفظ هو الاسم الذي كانوا يطلقونه على عباداتهم كما يطلقه الشارع على ما جاء به ، وذلك كما في قوله تعالى : (وما كان صلاتهم عند البيت إلّا مكآء وتصدية)(٢).
__________________
(١) قال تعالى : (كتب عليكم الصّيام كما كتب على الّذين من قبلكم لعلّكم تتّقون) (البقرة ـ ١٨٣)
(٢) الانفال ـ ٣٥.
والمعنى ـ والله العالم ـ انهم لم يكونوا يصلّون وانما كانوا يصفّرون