النحو الذي ذكرناه ادّى الى التشكّك في ضرورة ان يكون لكل علم موضوع ، ووقع ذلك موضعا للبحث ، فاستدلّ على ضرورة وجود موضوع لكل علم بدليلين :
احدهما : ان التمايز بين العلوم بالموضوعات ، بمعنى انّ استقلال علم النحو عن علم الطبّ انّما هو باختصاص كلّ منهما بموضوع كلّي يتميّز عن موضوع الآخر ، فلا بدّ من افتراض الموضوع لكل علم.
وهذا الدليل أشبه بالمصادرة ، لانّ كون التمايز بين العلوم
__________________
موضوع جامع بين موضوعات مسائله او من غرض واحد به تتميّز العلوم ، وانّ البحث فيها عن العوارض الذّاتيّة للموضوع الكلّي غير صحيح ، بل البرهان قائم على خلافه ، نعم الموحّد والرابط بين مسائل العلم الواحد هو كونها وكون فوائدها من سنخ وطبيعة واحدة ...» (وقال) «وليس العلم الّا عدّة قضايا متشتّتة ولهذه المتشتّتات ارتباط خاص وسنخيّة واحدة لأجلها قام العقلاء بتدوينها وعدوّها شيئا واحدا ، وليس موجودا واحدا مشخّصا وراء الاعتبار فيكون ذا صورة ومادّة او جنس وفصل ...» (*) (تهذيب الاصول).
ويقول السيد الخوئي ـ ومثله السيد البجنوردي ـ «وامّا الكلام في موضوع هذا العلم فقد سبق ان أقمنا البرهان على انّه لا موضوع له واقعا ، وانّ حقيقته عبارة عن عدّة من القضايا والقواعد المتباينة بحسب الموضوع والمحمول التي جمعها في مرحلة التدوين اشتراكها في الغرض الواحد».
__________________
(*) أقول لا شكّ انك تعرف الفرق بين الغرض والفائدة ، فغرض طالب العلم التعلّم ، واما الفائدة فهي ما يحصل مما لا يكون مقصودا من العمل ، كأن ينال بسبب علمه مالا كثيرا ، وعليه فكل ما كان يراه العلماء يصبّ في غرضهم من العلم الفلاني كانوا يدخلونه فيه حتّى تطوّرت العلوم ، فالجامع بين مسائل العلم الواحد هو الغرض الواحد ، كما سيأتي.