وامّا الاحكام الظاهرية فهي مثار لبحث واسع وجّهت فيه عدّة اعتراضات للحكم الظاهري تبرهن على استحالة جعله عقلا (١) ، ويمكن تلخيص هذه البراهين فيما يلي :
١ ـ ان جعل الحكم الظاهري يؤدّي الى اجتماع الضدّين او المثلين ، لان الحكم الواقعي ثابت في فرض الشك بحكم قاعدة الاشتراك المتقدمة [بين العالم والجاهل] ، وحينئذ فان كان الحكم الظاهري المجعول على الشّاك مغايرا للحكم الواقعي نوعا ـ كالحليّة والحرمة ـ لزم اجتماع الضّدين والّا لزم اجتماع المثلين. وما قيل سابقا من انّه لا تنافي بين الحكم الواقعي والظاهري لانهما سنخان مجرد كلام صوري اذا لم يعط
__________________
اي محرّكيّته فقط لوجود المانع من فاعليّته في مرحلة الامتثال. وعلى اي حال كلما تمّ الملاك (أي المقتضي والشرط أو قل الموضوع باجزائه وشرائطه) لا بدّ من ان يوجد في علم المولى تعالى حكم يناسبه ، وهذا ما يعني به العلماء من ان الاحكام تابعة للمصالح والمفاسد في المتعلقات.
وعليه فبما ان ملاك الحكم هو روحه وقوامه وعلته فهو المحرّك في الواقع ، وليس الحكم الّا كاشفا عن ملاكه كاشفية المعلول عن علّته والدخان عن النار ، فلو علمنا بتماميّة قبح قتل المؤمن في نظر الشارع المقدّس وفرضنا انه تعالى لم يوصل لنا حكما يبين لنا فيه حرمة هذا القتل الظلمي فانّ العقل يستكشف ان هذا العمل محرّم ، وليس الحكم بالحرمة في هذه الحالة هي من احكام العقل ، وانما هو من مستكشفات العقل ، فالعقل دائما كاشف لا حاكم ومشرّع في قبال الشارع ، بل شريعة الله تعالى كاملة وليست بناقصة كي تتمّمها احكام العقل ..
(١) آثار هذه الشبهات ابن قبة ومن حذا حذوه ، ولا باس بأن يراجع بهذا الصدد منتهى الدراية ج ٤ ص ٢١٥ فما بعد