الجنة. وتقدير الكلام : وأحسن موضع للقائلة. فكأن ذلك المكان من وثارة مهاده ، وبرد أفيائه ، يصلح أن ينام فيه لو كان ذلك جائزا. وهذا كقوله سبحانه في ذكر أصحاب الجنة : (وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا) (٦٢) [مريم] أي مثل أوقات البكرة والعشيّ المعهودين في حال الدنيا. لأن الجنة لا يوصف زمانها بالأيام والليالي ، لأن ذلك من صفات الزمان الذي تتعاقب عليه الشمس طالعة وغاربة ، فيسمّى نهارا بطلوعها ، ويسمّى ليلا بقبوعها (١).
وفي قوله سبحانه : (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً) (٢٥) استعارة. والمراد بها ، والله أعلم ، على أحد القولين ، صفة السماء في ذلك اليوم بتعاظم الغمام فيها ، وانتشاره في نواحيها. كما يقول القائل : قد تشققت الغمائم بالبرق ، وتشققت السّحائب بالرعد ، إذا كثر ذلك فيها ، ليس أن هناك تشققا على الحقيقة ، في قول أهل الشرع. وقيل أيضا : إن المراد بذلك انتقاض بنية السماء وتغيّرها إلى غير ما هي عليه الآن ، كما تظهر في البناء آثار التداعي ، وأعلام التهافت ، من تثلّم أطراف ، وتفطّر أقطار ، فيكون ذلك مؤذنا بانقضاضه ، ومنذرا بانتقاضه.
وقال سبحانه : (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ) [ابراهيم : ٤٨].
وقال تعالى : (يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ) (٢) [الأنبياء : ١٠٤].
ويكون انتقاض بنية السماء عن ظهور الغمام الذي آذننا سبحانه بمجيئه يوم القيامة ، إذ يقول عزّ من قائل : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) (٢١٠) [البقرة].
ومعنى تشقّق السماء بالغمام : أي عن الغمام ، كما يقول القائل : رميت بالقوس ، وعن القوس ، بمعنى واحد.
وفي قوله تعالى : (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً) (٤٣) استعارة على أحد التأويلين : وهو أن يكون في الكلام تقديم وتأخير. فكأنه تعالى قال : أرأيت من اتّخذ هواه إلهه. معنى ذلك أنه جعل هواه آمرا يطيعه ، وقائدا
__________________
(١). القبوع : الاختفاء ومنه : قبع النجم أي ظهر ثم خفي.
(٢). وقد سبق الحديث عن قراءة «للكتب» و «للكتب» بالمفرد والجمع ، في سورة الأنبياء.