لمن أضلّهم من خلّانهم ، وذكر ما يكون من شكوى الرسول مما كان من طعنهم في القرآن ، بأنه سحر وشعر وكذب وهذيان ، ومن إجابته له بأن شأنهم في ذلك كشأن المجرمين قبلهم مع رسلهم.
ثم ذكر شبهتهم الخامسة وهي قولهم كما ورد في التنزيل (لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً) [الآية ٣٢]. وردّ على هذا بأنه نزّله مفرّقا ليثبّت به فؤاده ، ويرتله على تؤدة وتمهّل.
ثم عقّب على ذلك كله بأنهم لا يأتونه بمثل من جنس تلك الشبهات ، إلا أتاهم بالحق الذي يدفعها ويبين وجه فسادها ، وذكر أنهم في الاخرة يمشون مقلوبين وجوههم إلى تحت ، وأرجلهم إلى فوق ، فيضلّون في آخرتهم كما ضلّوا في دنياهم.
ثم شرع في تأييد ذلك بما حصل من النذر قبله ، فذكر أنه آتى موسى التوراة وجعل معه أخاه هارون وزيرا له ، وأنه أمرهما أن يذهبا إلى القوم الذين كذّبوا بآياته فدمرهم تدميرا ، ثم ذكر أنه أغرق قوم نوح لمّا كذّبوا رسله وأعدّ لهم عذابا أليما ، إلى أن ذكر ما حصل لقرية سدوم التي يمرّون عليها في متاجرهم إلى الشام ، وهي من قرى قوم لوط (وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَها بَلْ كانُوا لا يَرْجُونَ نُشُوراً) (٤٠).
عماية الكفار عن الإنذار
الآيات [٤١ ـ ٧٧]
ثم قال تعالى : (وَإِذا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً) (٤١) ، فذكر أنهم قابلوا ما أنذرهم به ، وما ذكره في رد شبهاتهم بالسفاهة والاستهزاء بالنبي (ص) ، لأنهم عجزوا عن رد ما ذكره في دفع شبههم. وقد بلغ من قوته أن اعترفوا بأنه كاد يضلّهم عن آلهتهم لو لا أن صبروا عليها ، ثم ذكر له أنهم اتخذوا هواهم إلههم ، وأنهم لا يسمعون ولا يعقلون ، ومن كان هذا شأنه لا يؤثّر دليل فيه. ثم ذكر له أن يرى كيف مدّ الظّلّ ولو شاء لجعله ساكنا ، إلى غير هذا مما لا تخفى دلالته على من يسمع ويعقل ، ليثبت له أنهم ليس لهم سمع ولا عقل. ثم ذكر أنه صرّف هذه الدلائل بينهم ليذّكّروا ولكنهم ينفرون من سماعها ، وأنه لو شاء لبعث بها نذيرا في كل قرية ، ولكنه اختاره وحده