أن يصيروا ترابا ، ويزعمون أنهم قد وعدوا هذا هم وآباؤهم من قبلهم ، فلم يحصل شيء منه ، وقد أجاب تعالى عن هذا بأن أمرهم أن يسيروا في الأرض لينظروا كيف كان عاقبة المجرمين في الدنيا ، فلا بدّ من أن يعاقبهم أيضا في الاخرة ؛ ثم ذكر استعجالهم ذلك على سبيل الاستهزاء ، وأجاب عنه بأنه سيحصل لهم قريبا بعض منه في الدنيا ، بتسليط المؤمنين عليهم ، وأن رحمته هي التي اقتضت عدم تعجيله لهم ، ولكنّ أكثر الناس لا يشكرون ، ثم هدّدهم على ذلك ، بأنه يعلم ما يخفون وما يعلنون (وَما مِنْ غائِبَةٍ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) (٧٥).
ثم أعاد التنويه بشأن تلك القصص ، فذكر أن القرآن يقصّ منها على بني إسرائيل أكثر ما يختلفون فيه ، فيهديهم إلى ما غاب عنهم من الصواب فيها ، ثم أمر الرسول (ص) أن يتوكّل عليه ولا يلتفت إلى أعدائه لأنه على الحق المبين ؛ وذكر تعالى أن الرسول لا يؤثّر فيهم لأنهم موتى لا يسمعون ، وعمي لا يبصرون ، وإنما يسمع من يؤمن بآياته فهم مسلمون ؛ ثم ذكر تعالى ما يكون قبل يوم القيامة من خروج دابّة تخبر الناس بما كان من جحودهم بتلك الآيات ، فتؤمن بما لم يؤمنوا به ، وهي من العجماوات ، ثم ذكر أنهم يحشرون إلى ربهم فيوبّخهم على تكذيبهم بآياته ، وأنهم لا يجدون ما يعتذرون به ، فلا يمكنهم أن ينطقوا بعذر ، وذكر لهم آية واحدة تقطع عذرهم ، وهي ما يرونه من أنه جعل لهم الليل ليسكنوا فيه ، وجعل لهم النهار مبصرا ؛ وإنما آثر هذه الآية لأنهم يسكنون بالليل ، ويبعثون بالنهار ، كما يبعثون من الدنيا إلى الاخرة ؛ ثم ذكر ما يكون أيضا قبل يوم القيامة من النفخ في الصّور ، وأنه يفزع به من في السماوات ومن في الأرض فيأتون صاغرين إليه ، وأنه يجازيهم على أعمالهم ، فيكون لمن جاء بالحسنة خير منها ، ومن جاء بالسيّئة يكبّ في النار على وجهه.
ثم ختم السورة بأمر الرسول أن يخبرهم بأنه إنما أمر أن يعبد الله سبحانه ، وحده ؛ وأن يتلو عليهم القرآن فمن اهتدى به ، فإنما يهتدي لنفسه ، ومن ضل ، فليقل له إنما أنا من المنذرين (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَتَعْرِفُونَها وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (٩٣).