فإن قيل : لم قال سليمان (ع) كما ورد في التنزيل (عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا) [الآية ١٦] بنون العظمة ، وهو من كلام المتكبّرين؟
قلنا : لم يرد به نون العظمة ، وإنما أراد به نون الجمع وعنى نفسه وأباه. الثاني : أنه كان ملكا مع كونه نبيّا فراعى سياسة الملك ، وتكلم بكلام الملوك.
فإن قيل : كيف حلّ له تعذيب الهدهد ، حتى قال كما ورد في التنزيل (لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً) [الآية ٢١].
قلنا : لعل ذلك أبيح له خاصّة ، كما خصّ بفهم منطق الطير ، وتسخيره له ، وغير ذلك.
فإن قيل : كيف استعظم الهدهد عرشها مع ما كان يرى من ملك سليمان (ع) حتى قال ولها عرش عظيم؟
قلنا : أولا : يجوز أنه استصغر حالها بالنسبة الى حال سليمان ، فاستعظم لها ذلك العرش. ثانيا : أنه يجوز أن لا يكون لسليمان مثله ، وإن عظمت مملكته في كل شيء ، كما يكون لبعض الأمراء شيء لا يكون للملك مثله.
فإن قيل : لم ورد على لسان الهدهد قوله تعالى : (وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) [الآية ٢٣] مع قول سليمان صلوات الله وسلامه عليه كما ورد في التنزيل (وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) [الآية ١٦]. فكأنه سوى بينهما؟
قلنا : بينهما فرق ؛ وهو أن الهدهد أراد به ، وأوتيت من كل شيء من أسباب الدنيا ؛ لأنه عطف على الملك ، وسليمان أراد به وأوتينا من كل شيء من أسباب الدين والدنيا ، ويؤيّد ذلك عطفه على المعجزة ، وهي منطق الطير.
فإن قيل : كيف سوّى الهدهد بين عرشها وعرش الله تعالى في الوصف بالعظم ، في قوله تعالى : (وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ (٢٣)) و (رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (٢٦))؟
قلنا : بين الوصفين بون عظيم لأنه وصف عرشها بالعظم بالنسبة إلى عروش أبناء جنسها من الملوك ، ووصف عرش الله تعالى بالعظم بالنسبة إلى ما خلق من السماوات والأرض وما بينهما.
فإن قيل : قوله تعالى : (فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ ما ذا يَرْجِعُونَ (٢٨)).