مِنْها) [الآية ٦٦] معناه بل هم اليوم في شك من الساعة (بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ (٦٦)) جمع عم وهو أعمى القلب. ومطابقة الإضراب الأول لما قبله ، أن الذين لا يشعرون وقت البعث ، لما كانوا فريقين : فريق منهم لا يعلمون وقت البعث مع علمهم أنه يوجد لا محالة ، وهم المؤمنون ؛ وفريق منهم لا يعلمون وقته ، لإنكارهم أصل وجوده. أفرد الفريق الثاني بالذكر بقوله تعالى (بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ) [الآية ٦٦] تأكيدا لنفي علمهم في الدنيا ، كأنه تعالى قال : بل فريق منهم لا يعلمون شيئا من أمر البعث في الدنيا أصلا ، ثم أضرب عن الإخبار بتتابع علمهم ، وتلاحقه بحقيقة البعث في الاخرة ، إلى الإخبار عن شكهم في الدنيا في أمر البعث والساعة ، مع قيام الأدلّة الشرعية على وجودها لا محالة ؛ وأمّا وصفهم بنفي الشعور ثم بكمال العلم ثم بالشك ، ثم بالعمى ، فلا تناقض فيه ، لاختلاف الأزمنة ، أو لاختلاف متعلّقات تلك الأمور الأربعة ، وهي الشعور والعلم والشك والعمى.
فإن قيل : قضاء الله تعالى وحكمه واحد ، فما معنى قوله سبحانه : (إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ) [الآية ٧٨] وهو بمنزلة قوله تعالى : (إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ) [الآية ٧٨] بقضائه أو يحكم بينهم بحكمه.
قلنا معناه بما يحكم به وهو عدله المعروف المألوف ، لأنه لا يقضي إلا بالحق والعدل ، فسمى المحكوم به حكما. وقيل معناه بحكمته ، ويدل عليه قراءة من قرأ بحكمته ، ويدل عليه قراءة من قرأ بحكمه جمع حكمة.
فإن قيل : لم قال تعالى : (أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً) [الآية ٨٦] ولم تراع المقابلة بقوله تعالى : (وَالنَّهارَ مُبْصِراً) [الآية ٨٦] فيه؟
قلنا : روعيت المقابلة المعنوية دون اللفظية ، لأن معنى مبصرا ليبصروا فيه ، وقد سبق ما يشبه هذا في قوله تعالى : (وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً) [الآية ٥٩].
فإن قيل : لم قال تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٨٦)) مع أن في ذلك علامات على وحدانية الله تعالى لجميع العقلاء؟
قلنا : إنّما خصّهم بالذكر لأنهم هم المنتفعون بها دون غير هم.