سبحانه هو الذي ينزّل تلك الآيات كما يشاء ، وليس النبي إلّا نذيرا لهم ، ولا يملك أن يقترح على الله شيئا ؛ وبأنّ في إنزال القرآن عليه ، وهو أمّيّ ، ما يكفيهم في الإيمان به ؛ ولو تأمّلوا لعلموا أنّ آياته خير من آيات العذاب التي يقترحونها ، لما فيها من الرحمة والذكرى لهم ؛ ثمّ ذكر سبحانه أنهم يستعجلونه بالعذاب بما يقترحونه من تلك الآيات ، ولو لا أنه جعل له أجلا مسمّى لجاءهم. إلى غير هذه ممّا ذكره في الردّ على استعجالهم.
ثمّ أرشدهم إلى الهجرة بدينهم ، فرارا ممّن يفتنهم ؛ فذكر لهم أن أرضه (تبارك اسمه) واسعة ، فإذا تعذّرت عبادته في أرض ، فليهاجروا إلى غيرها ، ولا يتركوا عبادته بحال من الأحوال ؛ وهوّن عليهم ذلك ، بأنّهم لا بدّلهم من مفارقة أحبابهم بالموت ، فليكن ذلك في سبيل الله ، ليجازيهم عليه عند رجوعهم إليه ، ويكافئهم على ما عملوا من صالحات ، وما صبروا عليه من فتنة وأذى ، ثمّ هوّن عليهم ذلك أيضا ، بأنّه هو المتكفّل برزق كلّ دابّة في الأرض ، وبرزقهم ؛ فلا يفوتهم شيء من رزقهم بهجرتهم. ثمّ ختم السورة ، بتهديد أولئك الذين يفتنونهم ، كما هدّدهم في أوّلها ، فذكر لهم أنّهم لا يمكنهم أن ينكروا ، أنه سبحانه هو خالق السماوات والأرض ، ومسخّر الشمس والقمر ، فلا يمكنهم أن يفلتوا من عقابه ؛ وذكر لهم أنّه هو الذي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ، ليبتلي بذلك عباده ، فلا يصحّ أن يغترّوا بما بسط لهم من الرزق ؛ وذكر لهم أنه هو الذي ينزل الماء من السماء فيحيي به الأرض بعد موتها ، ليعلموا أنه هو الذي يرزقهم ؛ ثم ذكر لهم أنّ ما يغترّون به من هذه الحياة ، وبسطة أرزاقهم فيها ، إنّما هما لهو ولعب ، وأنّ الاخرة هي الحياة التي يعتدّ بها ، وأيّد ذلك بما يحصل لهم حينما يركبون الفلك في البحر ، فإنهم ينسون الدنيا وزخارفها ، ويتوجّهون إليه سبحانه بالدعاء وحده ؛ فإذا نجّاهم إلى البرّ ، رجعوا إلى ما كانوا عليه من حبّ الدنيا ، فأشركوا به ؛ ثم أمرهم أمر تهديد ، أن يقابلوا ما بسط لهم من الرزق بالكفر ، فسوف يعلمون ما أعدّ لهم من العذاب على كفرهم ؛ وذكر أنهم لا يمكنهم أن ينكروا أنه هو الذي أسكنهم في ذلك الحرم الأمن ، فبسط لهم من الرزق ما لم يبسطه لغيرهم ،