ويبقى قوله تعالى (وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ) [الآية ٣٣] مطلقا غير معلق.
فإن قيل : لم مثّل الله تعالى نوره ، أي معرفته وهداه في قلب المؤمن ، بنور المصباح ، في قوله تعالى : (مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ) [الآية ٣٥] ولم يمثّله بنور الشمس ، مع أن نورها أتم وأكمل؟
قلنا : المراد تمثيل النور في القلب ، والقلب في الصدر ، والصدر في البدن بالمصباح : وهو الضوء أو الفتيلة في الزجاجة ، والزجاجة في الكوّة التي لا منفذ لها ، وهذا التمثيل لا يستقيم إلا في ما ذكر. الثاني : أن نور المعرفة له آلات ، يتوقّف على اجتماعها ، كالذهن والفهم والعقل واليقظة وانشراح القلب ، وغير ذلك من الخصال الحميدة ؛ كما أن نور القنديل يتوقف على اجتماع القنديل والزيت والفتيلة ، وغير ذلك. الثالث : أنّ نور الشمس يشرق متوجها إلى العالم السفلي ، لا إلى العالم العلوي ؛ ونور المعرفة يشرق متوجها إلى العالم العلوي ، كنور المصباح. الرابع : أن نور الشمس لا يشرق إلا بالنهار ، ونور المعرفة يشرق بالليل والنهار ، كنور المصباح. الخامس : أن نور الشمس يعمّ جميع الخلائق ، ونور المعرفة لا يصل إليه إلا بعضهم ، كنور المصباح الموصوف.
فإن قيل : إنه تعالى لم يمثله بنور الشمس لما ذكرتم ، فكيف لم يمثله بنور الشمع ، مع أنّه أتم وأكمل وأشرق ، من نور المصباح؟
قلنا : إنما لم يمثله بنور الشمع ، لأن في الشمع غشا لا محالة ، بخلاف الزيت الموصوف ، ولو مثله تعالى بنور الشمع ، لتطاول المنافق المغشوش ، إلى استحقاق نصيب في المعرفة.
الثاني : أنه تعالى ، إنما لم يمثله بنور الشمع ، لأنه مخصوص بالأغنياء ، بخلاف نور المعرفة فإنه في الفقراء أغلب.
فإن قيل : التجارة تشمل الشراء والبيع ، فما الحكمة في عطف البيع عليها في قوله تعالى : (لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ) [الآية ٣٧]؟
قلنا : التجارة هي الشراء والبيع ، الذي يكون صناعة للإنسان مقصودا به الربح ، وهو حرفة الشخص الذي يسمّى تاجرا ، والبيع أعمّ من ذلك ؛ وقيل : المراد بالتجارة هنا ، مبادلة الاخرة بالدنيا ، كما في قوله تعالى :