٣ ـ غموض المعنى : ذهب فريق آخر من اللغويين إلى أن الغريب ما غمض معناه ولعلهم تأثروا بما ورد عنه في المعاجم اللغوية.
منهم الخطابي (ت ٣٨٨ ه) في تعريفيه للغريب بقوله : «إنه بعيد المعنى غامضه لا يتناوله الفهم إلا عن بعد ومعاناة فكر ، والآخر يراد به كلام من بعدت به الدار ونأى به المحل من شواذ قبائل العرب ، فإذا وقعت إلينا الكلمة في لغاتهم استغربناها ، وإنما هي كلام القوم وبيانهم» (١) وهو يشير في تعريفه الثاني إلى موضوع نسبية الغرابة. ولا أظنه يربط بين الغريب والشواذ. وأن الكلمة الغريبة هي الشاذة. وإنما يقصد بكلمة (شواذ) الواردة في تعريفه معنى البعد والتفرق ، وهذا معناها اللغوي. وجاء في لسان العرب : «وشذاذ الناس متفرقوهم» (٢) والذي يدل على ذلك أيضا أنه وصف القبائل بالشذوذ وليس ألفاظها. ولعل الدكتور تمام حسان قد فهم من هذه الكلمة معناها الاصطلاحي وعلى ذلك كان تعريفه آنف الذكر.
وذهب إلى ذلك أيضا الزمخشري (ت ٥٢٨ ه) فقد جعل من أغراض المصنفين في الغريب «كشف ما غرب من ألفاظه واستبهم» (٣).
وذهب إلى ذلك عدد آخر من اللغويين أمثال ابن الصلاح (ت ٦٤٣ ه) (٤). والشريف الجرجاني (ت ٨١٦ ه) (٥). والقلقشندي (ت ٨٢١ ه) (٦). وابن الهائم (٧). والتهانوي (٨). والشيخ فكري يمين (٩) وغيرهم (١٠).
وعلى الرغم من أن اللغويين العرب قد فطنوا إلى أن الغرابة في اللفظة تعني الغموض والاستبهام نتيجة لقلة استعمالها في اللغة ، فإن تعريفاتهم لم تشر إلى نقطة مهمة ، وهي أن لغرابة نسبية ، عدا ما ذكرناه في التعريف الثاني للخطابي. أي أن اللفظة الغريبة ربما لا تكون كذلك عند قوم آخرين. كما أن هذه التعريفات لم تذكر أن الغرابة في اللفظ وصف عرضي على الكلمة ، وليس من ذاتياتها. أي أنها تكون غريبة في زمن ، وقد تتحول إلى مشهورة أو مبتذلة في زمن آخر. لذا كان من الضروري أن تلاحظ هاتان النقطتان في التعريف من أجل أن يكون جامعا مانعا كما يقول المناطقة. وعلى ما تقدم أجد أن التعريف المناسب للألفاظ الغريبة أنها الكلمات الغامضة لقلة استعمالها عند قوم معينين في فترة زمنية محددة.
__________________
(١) غريب الحديث ١٥.
(٢) لسان العرب لابن منظور (شذ) ٥ / ٢٨.
(٣) الفائق في غريب الحديث ١ / ٢.
(٤) انظر مقدمة ابن الصلاح ومحاسن الاصلاح ٣٩٧.
(٥) انظر التعريفات ٨٦.
(٦) انظر صبح الأعشى ٢ / ٢١٣.
(٧) انظر التبيان في تفسير غريب القرآن ٧٦.
(٨) انظر كشاف اصطلاحات الفنون ٢ / ١٠٨٦.
(٩) انظر غريب القرآن ٦٩٤.
(١٠) انظر علم الفصاحة العربية للدكتور محمد علي الخفاجي ٨٩.